رائد وحش رائد وحش

ربما ..! عن الكتابة وفيها ومنها

أنتمي لهامش غريب وفريد من نوعه هو المخيم، مخيم خان الشيح (25) كم جنوبي دمشق. منذ الطفولة أفهمنا الأهل أننا سكّان مكان مؤقت، لأننا جميعاً سنرجع إلى فلسطين، فردوسنا المفقود.. في المدرسة نكتب مواضيع إنشاء عن عرس العودة الكبير، في الأعراس نغنّي لفلسطين..

دائماً ثمة فلسطين كحكاية نلملم تفاصيلها. لكن المشكلة الكبرى أننا لا نزال معلقين على مقاعد المحطة دون أن تفضي بنا إلى برّ الوطن، والمشكلة الأكبر أننا خلال هذا الانتظار المتوارث بدأنا نألف المخيم، المنفى، اللا مكان، المؤقت، الطارئ، فالمساحة التي استطعنا أن نبنيها فيه هي أقصى ما يمكن أن نطمح إليه، وقد قدم الشاعر الفلسطيني غسان زقطان عن هذا الاختلال المريع في العلاقة مع المكان واحداً من أجمل التعبيرات الممكنة في ديوانه «كطير من القش.. يتبعني». لن أقول إن هذه الحالة لا مهرب منها، فبإمكان الضعيف الانسلاخ عن الواقع، بل سأقول إنها موجودة في الجينات كمكوّن للشخصية الفردية، وتالياً للشخصية الجمعية.
أيضاً نحن الفقراء بلا ذنب، لأننا نعمل فوق ما نستطيع ونقدّم ما هو فوق طاقتنا، ولا نحصد وقت الحصاد إلا النزر الشحيح، ليس في مكنتنا أن نكون ضد أنفسنا في الكتابة، وأعتقد أن تصويرنا للخراب الذي عشناه هو إدانة لمتهمين معروفين، ومرافعة ضد جور العالم. على أن هذا لا يمنع من أن نقول: كنا سعداء في هذه الهوامش، وكانت لدينا من الأوقات الجميلة ما يضاهي السعادة في أي مكان آخر، ليس من باب المناكفة وحسب، وإنما كتأكيد على روح المحبّة التي جعلتها رغبة قهر القهر ترفرف فوقنا على الدوام.
أعتقد أن السر في الانتماء، وأن على الكاتب الجديد أن يشتغل على المعنى الذي يخص وجوده، وحين يكتب ما هو عليه حقاً فذلك يعني أنه في صميم تجربة الكتابة، ولعل استعار اللا شيء في الكتابات الجديدة إنما نابع من خيانة الذات والواقع.