محمد المطرود محمد المطرود

نهب الآخر/ النوم

مجازاً أو حقيقة، هو السيد، هذا ما أعرفه عنه، دون أن أرده إلى فلسفة تخصه، أو تعريف، هذا حديثي عنه لحظة حاجتي، وما أكثر ما أحتاج إليه، يعرف عني أنه في أوقات الضيق وتأزمي في حل شيفرة المصيبة، الدخول فيها بكليتي، أو الابتعاد عنها، ألجأ إليه كملاذ، وصيغة نهائية للتحايل على ما أوشكني من خيبة وصيد ضئيل.

لم أدهش من التقنية المذهلة، وكذلك لم أر في نبوغهم أو تفوقهم، هؤلاء الذين يذهلون الآخرين بفتوحاتهم في المساحات التي يرتادونها، ما يذهلني، وبقيت مشدوهاًً من بشر أسمع بتفوقهم على النوم في نزال علني، وعراكه، والانتصار عليه أيام معدودات، متخلصين من براثن سلطته عليهم، وإن رأى بعضهم في ذلك علة، ذهبت معرفتي عكس ما رأوا، تناغماً مع المخطط اليونغي، إذ لا يرى النوم وابنه الحلم مرضاً بل رؤى وأخيلة دالة بوصفها صوراً من صور الصحة والاكتمال وفق دال الاكتمال، يكون النوم مرتعاً خصباً للسحرية، بوصف الرؤية مرآة، واكتشافاً باطنياً، يتعاضد مع الطاقة الليبيدية الطاقة المفجرة، المستنهضة للرغبات كوظائف وحقائق طي اللاوعي أو الوعي.
وإذا نحوت لتسمية النوم بالفضيلة، لم أعن الفضيلة بالمعنى المطهِّر، وإن قالت العرب «نوم الظالم عبادة» في دلالة صريحة، على أن النوم عطالة مؤقتة للرغبة في الحياة، برغبة أكبر لموت مؤقت، وإيمان بالعودة ثانية بأقوال جديدة (أحلام) وسرد يقترب من الكذب، كمن يفعل رغبة في حياة ثانية لا لشيء إلا ليتأملها بشكل أفضل وحيادي، فيثبت ما يراه مناسباً ويبعد مالا يستطيبه، تماماً كشجرة تقلَّم في الربيع، هذا على الأقل مقاربة لغاستون باشلار.
أنا أملك فضيلة النوم، وأنام عن قبيلة كاملة، وربما امتلكت قدرة عجيبة، بمقدوري أن أحلم، أو لا أحلم، وأحيانا أتحكم في شكل الحلم، مثلاً استحضر المرأة التي اشتهيها، وأستبعد البدينة التي صدمتني في طريقي إلى البقالة المجاورة لبيتنا.
وعليه أنا لاأفرح كثيراً بعبارة أحلام سعيدة، كمالا لا يسوؤني إذا قرأت بين سطور أحدهم: أحلام تعيسة، قد يكون في هذا مبالغة، أو ليسمه أعدائي كذباً، فلا بطولة في قول أقوله، بل أن هذا الشعور يقلقني في أحايين كثيرة، يخيل إلي أني في هذه النادرة من حياتي أخدم الآخر (الناهب)، أقدم له ما يشاء مطمئناً مع معرفتي بخساراتي وما سأفقد من أشياء عزيزة ففي اللحظة التي تموت فيها حواسي مؤقتاً، وتستسلم لبئر عميق، بئر (يوسفات) كثر، أنهر تفكيري عن حماقة، يراها الآخر حماقة، حسب تعريفه من قاموس معان يخدمه فقط، أو مغامرة  تخرجني ولو للحظات من عنق الزجاجة إلى الفسيح الذي عادة يوزع هداياه وفضائله، على الذين يرتمون فيه مصادفة أو برغبة متعمدة.
أمشي وأراني بأرجل تطأ بحيرة ألوان، تعبر على بياض يمتد إلى نهاية النظر، أتعثر بظلي، وأنظر خلفي لأعد كم قدماً تركت خلفي، تشكل ما يمكن تسميته خريطة أو مايشبه أناساً أردت تركهم، أعرف أني أحلم، فأشتمه (الحلم) في أدق خصوصياته، فقط لأعلم الحاسة المرتخية المتكاسلة، أن ما يحدث وما سيحدث هو في مساحة أخرى (المستقبل )غير المشغولة حقيقة من الحياة، لأن الطبيعي وحسب اللغة المحيطة بي كأني جزيرة أو شبه جزيرة، هذا يريح قليلاً في حالة شبه الجزيرة، التفكير الخارج مني هذا، هو تفكير خارج علي قد يكون مقتلي على يده، أو يكون عنصراً فعالاً في التخطيط أو إبرام الصفقة، حيث بوجهه المحايد، وقسوته ، سأصبح شخصاً غير مرغوب بإرتيابات مضرة لاتأتلف مع السائد الذي يجب أن يبقى على ماهو عليه، وما هو عليه أن تعدم حلمك في ساحة روحك العامة إذا شككت به أنه يخونك ،هي طريقة ناجعة في اصطياد أعدائك المتربصين بك في النوم، والطعم الحلم، هذا مايقوله الأمر الواقع، وإلا فإن النوم الذي هو سيد بالمجاز والحقيقة بعد تداول المفردة كدلالة ،هو سيد مستبد بالمطلق يتبعك بحاشيته كعبد من العصور القروسطية، أو يبقيك على أطراف أقضيته كلباً يُشكل على السامع نباحه.
قسوة الناهب لاتعني أن لاأفكر بالقدر الذي تتيح لي الأغلال حول دائرة الهاجس، هناك من رأى خروج قطعان أفكاري الهزيلة على شكل دخان أورائحة أو مايشبه ماترسمه دودة الأرض خارجة من جغرافيتها إلى حيز آخر دون النظر إلى قدسية الخروج إن كان انعتاقاً من ربقة أحد، بالضرورة هو خروج اضطراري يفترضه المناخ بتبدلاته، لنقل بحريته في التقلب، أو بما تمنحه الطبيعة الكونية، ألا يحق للكوني أن يحمي الحلم ،بأن يخرجه من إيقاع الأسر إلى فضائه الذي مكانه، ومكان صاحبه، عندما تختفي شمس الناهب خلف غيوم سميكة ومعتمة.