المراهنون الجدد... والهاوية!
يراهن الذين ما انفكوا يسومون المجتمعات والدول استغلالاً وتجويعاً وحرماناً وتهميشاً، على صمت الناس وخوفهم وقبولهم صاغرين بالأمر الواقع، ولا يعبأ هؤلاء المتمادون في غيِّهم بما يضمر الخائفون اللائذون بالصمت، طالما أن معظمهم يقبّلون الأيدي التي تصفعهم حقيقة أو مجازاً، حتى وإن كانوا في سرهم يدعون عليها بالكسر!!
فالمتمادون، وخصوصاً في الدول الفقيرة، يعلمون أن أقصى ما يفعله المهمشون، عند وصول انفعالهم إلى عتباته العليا، هو الشتم سراً أو علانية لـ«فشّ خلقهم»، ومن ثم الركون إلى الذات ولومها خوفاً من المحاسبة التي قد تطالهم بأسوأ صورها!!..
والمهمشون، وخصوصاً في الدول الفقيرة، يعلمون أن أقصى ما يفعله المتمادون لن يصل إلى تلك العتبة التي قد يليها خروج الناس شاهرين السيوف مطالبين بحقوقهم.. لذلك يحتملون نصيبهم من الأذى برضى طالما أن اليسير المتوفر بين أيديهم، وهو في حدوده الدنيا، لا يزال يكفيهم شر الجوع المطلق والفاقة الكاملة..
وهكذا، تسير معادلات التوازن هذه، في معظم بلدان الأرض دون أخطاء فادحة، لكي يبقى الحاكم حاكماً، والمحكوم محكوماً..
في بلدنا الذي طالما سعى عبر قواه الوطنية ونضالات الناس للتقدم والازدهار، ظل المستغلون والنهابون والمتنفذون مقيدين - نسبياً - بضوابط مختلفة، حتى مجيء الفريق الاقتصادي الحالي، الذي كسر بسياساته كل قيودهم، وأطلق العنان لهم ليعيثوا فساداً ونهباً واستغلالاً قدر ما يشاؤون، دون أية ضوابط أو اعتبارات.. وبالتالي، أصبحت الفوضى في توازنات المجتمع في طريقها لتصبح عارمة، وإذا ما بقيت الأمور تسير في الاتجاه الذي يحكمها الآن، فلا أحد يستطيع التكهن بما قد يكون..
الآن.. البطالة وصلت إلى عتبات لم تصلها البلاد في أشد الفترات تأزماً وكساداً وتخلفاً..
والآن.. وصل الغلاء إلى مستويات لم يسبق أن شهدها السوريون في أقسى سنوات الحصار الإمبريالي التي عانت منها البلاد في فترات مختلفة..
والآن.. يوشك الجوع أن يتجاوز بشدته الحد الطبيعي، فهل الغاية العودة لمحنة «السفر برلك» التي نزلت ببلاد الشام إبان الحرب العالمية الأولى في ظل الاحتلال العثماني؟!..
والآن.. وصل النهب المشرعن وتمركز الثروة إلى حدود تنذر بخطر القضاء كلياً على ما تبقى من الاقتصاد الوطني وثروات البلاد وبقايا أموال الخزينة العامة..
والآن.. يجري عبث يومي بمصالح الناس وأرزاقهم ووحدة إرادتهم بصورة تهدد النسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية..
رهانات المستغلين والنهابين في بلدنا أصبحت اليوم ممنهجة ومنظمة بشكل يتجاوز الارتياب بطموحاتهم الشخصية، ليصل إلى درجة الخيانة الوطنية، وهذا أخطر من السكوت عليه، لأنه لا يخدم إلا أعداء البلاد المتربصين بها منذ زمن طويل، ولا يصب إلا في صالح الفوضى الخلاقة التي يتغنى بها الساعون للتفتيت..
يراهن المستغلون اليوم على أن مزيداً من النهب والإفقار والتجويع والتهميش سوف يزيد ثرواتهم المهربة إلى المصارف التي تعلن إفلاسها، ولا ينتبهون إلى ما يجري في المجتمع من مراكمة للألم والقهر والإحساس بالظلم بالقدر الذي يجهلون فيه أيضاً أن دولاراتهم ذهبت أدراج الرياح في الأزمة القائمة..
فلننتبه للرهانات الجديدة.. فهي توشك أن تودي بنا، دولةً، ومجتمعاً موحداً، إلى هاوية قد لا نستطيع الخروج منها أبداً..