«الكابتن أبو رائد»: باكورة السينما الأردنية تقتحم العالمية
يبدو الفيلم الأردني «الكابتن أبو رائد» مثيراً لعدد من الأسئلة بالنسبة لمشاهد سوري، فلدى الجار الذي لا يملك تاريخاً سينمائياً نلتقي بفيلم ينطلق من الصفر تقريباً ويكون قادراً على الدخول في سياق السينما العالمية (الفيلم مرشح لأوسكار أفضل فيلم أجنبي وقد شارك في عدد من المهرجانات)، ومحققاً توازناً بين الفنية والتجارية، وطالعاً من التفاصيل الصغيرة لمعالجة مقولات كبيرة، ولا نقول قضايا وهي أحد المشاغل التي أوصلت السينما السورية الحكومية بالكامل إلى الطريق المسدود، فيما يبقى القطاع الخاص بعيداً عن المغامرة السينمائية وتسيطر عليه روح التلفزيون.
في عالم اليوم تظهر أفلام مهمة قادمة من بلدان ليس لديها صناعة سينمائية (لبنان، فلسطين)، قد تكون تجارب فردية أو مستقلة، تحقق حضوراً في المهرجانات وقد يجري الاحتفاء بها محلياً نظراً لهويتها وتحظى بقدر من الإقبال الذي قد يصل إلى النجاح التجاري. لكن هذه التجارب في بلدان مجاورة لا تملك جزءاً بسيطاً من الخبرات السورية، ربما تؤسس لحالة سينمائية. إلا أن المعضلة الأكبر تبقى في نوع الخطاب، وطريقة المقاربة لدى السينمائيين السوريين فغالباً ما نقع في هيمنة النص سواءً كان لمخرج مؤلف أو كان عملاً أدبياً، والنتائج المتواضعة التي نراها ليست منفصلة عن الآلية البيروقراطية السائدة وعن عقلية متقادمة بعيدة عن روح المغامرة الشابة.
«الكابتن أبو رائد» للمخرج أمين مطالقة، إنتاج شركة «قلم وورقة» الأردنية، مع مشاركة أمريكية في الإنتاج، مطالقة درس الاتصالات في أوهايو ثم اتجه للعمل في السينما، لا تخلو تجربته الأولى من نقاط ضعف، غير أنه لا يمكن تجاهل الحرفية التي كتب فيها السيناريو، وقدرة المخرج على إجراء توازن بين صناعة صورة سينمائية معبرة، وبين المحافظة على إيقاع درامي. يستطيع المخرج أن يضرب صفحاً عن التركيبة الأردنية المعقدة، ولا يدخل في قضايا سياسية جسيمة، فهو لا يدعي تقديم صورة شاملة عن بلد، بل هو ببساطة يعمل على حكايته الصغيرة المخلصة للشرط الأردني محاولاً التقاط مواضع الجمال في المشاعر الإنسانية كما في المشهد. «الكابتن أبو رائد» حكاية رجل يعمل عامل نظافة في مطار عمان، يعثر مصادفةً بعمرة طيار في سلة القمامة فيأخذها معه، ثم يجد نفسه متورطاً في هوية طيار أمام أطفال الحي، خاصة أنه رجل لديه نزعات خيالية ويهوى القراءة، ويجد في صحبة الصغار تعويضاً عن وحدته بعد وفاة زوجته وابنه، الحكايات التي يختلقها أبو رائد (القدير نديم صوالحة، جائزة أفضل ممثل في مهرجان دبي السينمائي) تشكل مادة مثيرة لصبية الحي الجبلي القائم بين الآثار (استثمار موفق للإمكانات الشاعرية لمشهد محلي)، إلا أن أحد الأولاد الكبار يكتشف المهنة الحقيقية لـ (الكابتن) ومراد هذا الطفل الذي يعاني من ظروف أسرية قاسية (أب فقير ومدمن كحول يضرب زوجته وأولاده) يفرغ عدوانيته نحو أبي رائد، التي لا تتأثر لعبته البريئة جدياً. وتظهر نور الملاحة الجوية (الحسناء رنا سلطان وهي مقدمة برامج في التلفزيون الأردني) التي يثير فضولها معرفة أبو رائد لعدد من الكلمات الأجنبية أو اصطحابه لكتاب باستمرار، وهي ابنة العائلة الثرية المحاصرة بعروض الزواج بعد أن تجاوزت الثلاثين. ينشأ ضرب من الصداقة بين أبي رائد ونور، وسيكون لها دور هام في إنقاذ أسرة أبي مراد من براثن رب العائلة المتوحش. أبو رائد إنسان يحاول أن يكون مفيداً في بيئته الصغيرة، وتمثل شخصيته نموذجاً للأخلاقية الناصعة والسعي نحو الفاعلية والـتأثير كنقيض للسلبية رغم قسوة الظروف. ويجيء توظيف عناصر كجمالية المشهد الطبيعي أو العمراني التقليدي، والدور البارز للأطفال ليؤشر إلى إمكانيات بناءة وإيجابية حتى ضمن معطيات غير مساعدة. قد يشكو الفيلم من حبكات مفبركة وبراءة مفرطة في التعامل مع واقع ليس بهذا السمو لكنه يملك تبريراته الداخلية لأنه يظل هناك ما هو أسمى من الواقع والذي يحمل طاقة تطهيرية ضرورية.