مارسيل خليفة يغني: ..ضرب الخناجر ولا حكم النذل فـيَّ!!
أنهى مارسيل خليفة حفلته الموسيقية في الحفل الختامي لاحتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية، بموال فلسطيني ما انفكت تردده الشفاه الفلسطينية على مدى صراعها الطويل مع الحصار والشتات والموت: «يمّة مويل الهوى يمّه مويل ليَّ، ضرب الخناجر ولا حكم النذل فيَّ»..
ولعل أي دارس أو مُطلع على أغاني الحصاد والأعراس الفلسطينية سُيذهل من ارتباط نافر أنيق بين الخاص والعام وبين تراتيل الطبيعة وعشق الحرية في أغاني التراث الفلسطينية. وبالتأكيد، لم تكن مشاعر النفس البشرية لتغار أو لتتصارع كي يسود بعضها على بعض، بل كانت تنسجم بطريقة تدهشك في انضباطها وفي تناغمها، فلا تشعر البتة بأن هناك ضجراً يتخفى خلف الحروف والكلمات، أو تململ يتذمر من امتداد الأرض مع الإنسان:
«ومشيت تحت الشتا.. والشتا روّاني.. والصيف لمّا أتى.. ولّع النيراني.. بيِظل عمر الفتى.. نذر للحرية»!!
هذا مقطع باللهجة الفلسطينية وَردَ بعد اللازمة، التي اختارها مارسيل «ضرب الخناجر ولا حكم النذل» ولكنه آثر إخفاءه، كما المقاطع الأخرى الكثيرة والتي اختلط فيها كلام الناس العاديين مع كلام الشعراء، ومن ضمنهم محمود درويش .
مارسيل خليفة اختار اللازمة، وترك المقطوعات تتحدث وتحكي بلغة الموسيقا العالمية، وقد أرادها كذلك لتحرك إيقاع القلب وتولعه بنيران صيف غزاوي سبق دورة الطبيعة، واحترق بمطر وبرد الشتاء.
وكما لا ينفصل الشخصي والجماعي في أغاني مارسيل، امتزجت أغاني الحب والطبيعة الفلسطينية مع مشاعر التمجيد والبطولة، فهي الأغاني والموسيقا التي تسعى بلا تأفف لإظهار المعاناة وتسليط الضوء على الفرح.. فرح يستمد صخبه من أعماق فتى فلسطيني كان صلة الوصل بين الفصول، ليصبح ربيعاً، عنوان فرحه الحرية .
ولعل مارسيل في استخدامه الأنيق لموال فلسطين، وتحويله المقاطع الأخرى موسيقا تهدأ وتتصاعد عند الضرورة، أكد برضى بالغ على عالمية هذه العبارة وخلودها، لازمة اختزنت تألق أوسع من مساحتها الصغيرة، ولم يخفف من حماسها نزق وهشاشة عبارات التعب والملل الحديثة، لتنفتح على الروح والجسد وتشحنهما بالقوة العاطفية المطلقة التي تدخل كيان الإنسان وتسكن خلاياه وأعصابه، فتنقله من السكون إلى الحركة، ومن الحزن إلى الغضب، غضب يعمل لحساب الحياة وغبطتها، ليحكي عن غزة التي سطََّرت قطاعها بالتحدي، وعبَرت زيف الحدود إلى مدى أكبر من مداها .
«ضرب الخناجر ولا حكم النذل فيَّ».. موال حكى بتلقائية بسيطة عن عيون وقلوب شتى اختارت العزيمة، ولم تشعر بالعبء الثقيل، ولم تجعل من كثرة الخيانة مبرراً لها لأن تخون !!
مارسيل خليفة التقط كعادته ما تقوله الشفاه الصامتة وما تهمس به الحناجر، فخلق بمهارات عالية علاقة باتت ضرورية ما بين التراث الموسيقي الشرقي والتراث العالمي، ليعبّر بطريقة عذبة شفافة عن قضية بحجم هذا التلاقي وذلك الوهج.