ثلاثة كتب شعرية لبول شاوول
بعد سبع سنوات من الابتعاد عن النشر، لا عن الكتابة، يعود الشاعر اللبناني بول شاوول بثلاثة كتب جديدة، هي «بلا أثر يذكر» و«دفتر سيجارة» و«هــؤلاء الذين يــموتون خلف أعمارهم» (عن دار النهضة العربية). ثلاثة كتب، تتنوع في مساراتها، ومناخاتها الكتابية، لكنها تقترب من لحظة الكتابة، لتشكل طابقا آخر من عمارة الشاعر الكتابية.
ففي «دفتر سيجارة» (الذي يمكن أن نقول عنه إنه أول كتاب بالعربية مخصص بالكامل عن السيجارة) يكتب شاوول عن علاقته بالسيجارة التي لم تكن تفارق فمه، هذه السيجارة التي يحاول أن «يروي» عن حالاتها المختلفة، لكن في الواقع، ثمة مشروع أكبر من ذلك، إذ عبر هذه السيجارة، يتذكر شاوول المدينة ومقاهيها وناسها، الذين مضوا أو لنقل الذين اندثروا وذابوا مثلما تذوي السيجارة بعد الاشتعال. «كان يدخن مائة سيجارة تقريباً في اليوم. مائة شمس تشرق وتنطفئ بين أصابعه»..«كان يفتتح الصباح بسيجارة بعدما كان يودع الليل بسيجارة أيضاً. توقظه السيجارة صباحاً، توقظ عينيه وحواسه وأصابعه وأنفه».. هكذا ينحو الكتاب إلى سيرة شعرية لمدخن ينتمي إلى عائلة من المدخنين.
في «بلا أثر يذكر»، قراءة لحــالات الكــائن الذي يراقب حياة تجري من حوله، ومحاولة للقبض على لحــظات هــاربة من تلك التي يعـيشها. يتمحور الكتاب حول حكايات سردية متلاحقة مرتبطة ببعضها البعض، بحيث تبدو أقرب لرواية. يسرد شاعر «بوصلة الدم» في سبعة وسبعين مشهدا عن جلسة بطله في المقهى مع الآخر، القرين الذي يبدو أنه يسكن نفس البطل، هكذا يبدأ الكتاب بداية ملفتة: «ينتظر، يوميا، ذلك الرجل الذي يجلس وحده في المقهى، إلى الطاولة نفسها،وفي الميعاد نفسه، وبالملابس نفسها، وبالسيجارة نفسها». وينتهي الكتاب بالقول: «لقطة بانورامية على متاعه الأخير: علبة سجائر، المنفضة. القلم الجريدة .النظارات ثم أخيرا أصابعه على الطاولة وحدها بلا مثيل ولا قرين. ولا شيء يذكر».
بينما يشكل «هؤلاء الذين يموتون خلف أعمارهم» (قصيدة طويلة مهداة إلى أطفال غزة)، كتبها الشاعر ليلة رأس السنة تحت تأثير ما حدث في غزة، وسارعت «دار النهضة العربية» إلى إصدار الكتاب في سرعة قياسيّة ليكون متواكباً مع الحدث، والنص يعيدنا إلى رؤيا مغايرة لكتابة الشعر من موقع التماس مع حدث. «هؤلاء الذين يكبرون خلف موتهم/ ولا سنوات تُحصى/ ولا أسماء/ ولا لحظات تُروى/ لإرثٍ أو لمقام / عدوى الورد ولا أجسامهم/ عدوى العطر عليهم/ ولا نسمة حولهم/ (ولا لون لعيونهم الأخيرة) / هؤلاء الذين يموتون خلف أمواتهم /(أطفال غزة)»