ربما!: بسّام حجّار
«مشاغل رجل هادئ جداً» الكتاب الشّعري الأول للراحل بسّام حجّار، ليس مجرّد عنوان ديوان شعريّ وحسب، بل هو يافطة عريضة دالة على جوهر عالم أدبي، ومفتاح أساسيّ لقراءة تجربة هذا الشاعر الاستثنائي الذي رحل عن عالمنا بعد صراع مع السرطان، وهو في قمة عطائه الإبداعيّ، حيث أسس قصيدة صافية تماماً بحسه التراجيدي الخفّاق.
هو من سلالة الشعراء المترهبنين، أولئك الذين يتوغلون في نبش المألوف المتاح لكلّ من هب ودبّ، لكنّ المهارة التي تؤتى لهم، ولهذا نسميهم شعراء، في فضّ بكارة الأشياء، واستخراجهم المعدن النفيس لحياة لا يحسن اكتشافها إلا الشعر.. «لأروي كلاماً يشبه ما يروى في النوم، أفكاراً تشبه ما تحلم به الأفكار».. يقول بسام في واحدة من قصائده وهو ما يمكن أن يكون بؤراً لقصائده كلها.
سكن بسام حجّار (1955 ـ 2009) هوامش اللغة، وصاحب ظلال الكلمات، ليتحدّث إلينا وبإطناب، لا يُمَلُّ، عن الألم والغياب والوحشة الداخليّة، عن الظلال والضوء الخافت في الغرف والشوارع.. والنفوس. وفي آخر مجموعتين أنجزهما «ألبوم العائلة» و«تفسير الرخام» راح يروض الموت، ويقربه من أخته الحياة بطريقة مختلفة، لا رثائية ولا بكائية، بل عبر اكتشاف تجليات الموت في حياتنا، ومدى تشابههما، لكي يعمل على تدليله، وترتيب شعثه الأدبيّ، كي يجعله، وهنا السّر، واحداً من الأشياء الأليفة، هذا إذا لم نبالغ ونقول، الأشياء الشديدة الألفة.
بسام الرجل الصموت، غير المبالي، الشديد السهو، كما تخبرنا أعماله الشعرية، كتب بلغة جديدة، لكنها لغة لا تتعدى وظيفتها كأداة، ولا تتطاول على بنيتها المتأنية في تأمل الحياة الغبارية، ممرّ العبور إلى ضفة أخرى، وربما تكون أيضاً ممرّاً للعبور إلى ضفة يليها ضفاف، اللغة ترابية لكنها منخلة (مغربلة) من الأوهام البلاغية، وأيضاً هي مصقولة كالرخام لغة تألف الصمت، خفوت وقاسية، في آن.. لغة ظلال وأطياف.
برحيله الصادم والمفاجئ تكون قصيدة النثر العربية أمّاً مفجوعةً حقّاً.. فسلام عليك أيها الشاعر!!
■ رائد وحش
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.