عن «هيروشيما العاشق العربي»: العالم لن ينتهي ولسنا مسؤولين عن عقدة «المايا»
أمريكا ستُنهي العالم في 2012، عقدة الذنب التاريخية لدى قتلة الهنود الحمر تظهر مجدداً باعتراف سينمائي بائس يقول إن نهاية العالم وشيكة وهي أقرب مما نتخيل. يستند الاعتراف إلى تقدم شعوب المايا السابقة في علم الفلك. ولكن المايا أنفسهم، لم يقولوا إن العالم سينتهي في هذا العام. فقط قال المايا: إن تقويمهم و حضارتهم ستنتهي بعد بضعة آلاف من السنين وتصادف حلول العام 2012 عندنا.
وسيأتينا هذا العام المرتقب كغيرنا، نحن الذين كان لنا حضارة في يوم من الأيام. ونحن الذين لا ننافس في مواتنا واستسلامنا للخرافات حتى شعوب المايا البدائيين (600 ق.م). وبهذا لا تعود عقدة الذنب الكامنة في اللاوعي الأمريكي عقدة ذنب فقط تجاه الشعب المباد (المايا). بل إنها تصير عقدة ذنب يمكن الاستفادة منها بالكثير من الدولارات من جيوب فقراء العالم. خصوصاً أن الشائعات موجهة إلى شعوب العالم الثالث. حيث لدى الناس الكثير من أوقات الفراغ للاعتقاد بالخرافات. هكذا لم يقنع هيغل أحداً عندما قال إن: «العقل جوهر التاريخ»، وإن «العقل هو من سيسيطر على العالم»، فالخرافة تعشّش في هذا العالم الذي لا يصبح متحضراً إلا عندما يريد أن يأتي بالديمقراطية إلى هذا الشرق البائس. فعندما يخطط الأمريكيون لغزو بلد من هذه البلدان يأتون باسم العلم والحرية، وعدا ذلك فإنهم ينشرون الخرافات ويظلّلون الشعوب بالسينما وبالكتب التجارية، في الوقت الذي تحاصر فيه أمريكا كل دول العالم، وتمنع كثير من شركات الطيران المدنية من شراء قطع الغيار، وتذهب أمريكا قائدة «العالم الحر» إلى منع الغذاء عن بعض الشعوب.
لا سيناريو واضحاً لجنون الطبيعة الذي يفترض حدوثه والذي سينهي كل شيء حي. ثمة الكثير من التكهنات. وسواء طلعت علينا الشمس من الغرب في يوم من أيام تلك السنة المرتقبة حسب الرواية الإسلامية أم أن مياه العالم قد تبخرت نتيجة انفجارات وعواصف شمسية حسب علماء يابانيين. وحتى لو كان «القمر لا يعطي ضوءه والنجوم تسقط من السماء وقوّات السماء تتزعزع» حسب الرواية المسيحية. لا بدّ أن يكون للناس يقين بشيء ما. ولا بدّ لهم أن يؤمنوا. لكن لا يفترض بأحد أن يؤمن بأمريكا وهوليودها التي دخلت على الخط والتي قالت كلمتها بتوقيع المخرج الألماني رولاند ايميريش عندما أنتجت الفيلم الشهير 2012. وأما الدخول الهوليودي على الخط فهو أحد الأسباب التي تدفعنا إلى اليقين أن العالم لن ينتهي في السنة المذكورة، وحتى لو كانت الطبيعة ستدمر نفسها في هذا العام، فإن ذلك لن يحصل لأنه لا يمكن لأمريكا والطبيعة أن يتفقا. راجعوا تحفظات باراك أوباما الرئيس الذي لا يختلف كثيراً عن سلفه جورج بوش على اتفاقية قمة كوبنهاغن لتغيير المناخ. هناك حيث أودى الرئيس الأسود بمستقبل الدول الفقيرة. التي تحدّر من إحداها في يوم من الأيام. لكن حب الآخرين لا ينتقل بالنطاف، والوقوف إلى جانب الضعفاء لا يورَّث.
200 مليون دولار تكلَّفها الفيلم الذي حصد أضعاف هذا المبلغ في صالات السينما في العالم، ثمة إحساس لدى البشرية أن كل شيء في خطر، فالمأزق الأخلاقي الذي وضعت الرأسمالية العالم فيه، يجعل الجميع بحاجة إلى ذلك النذير الذي تجسد في فيلم سينمائي اشترك فيه الممثلون جون كوزاك وأماندا بيت ووودي هاريسون. إنها الورطة الأخلاقية التي زجت الأسواق الإنسانية بها. والتي جعلت كل البشر مذنبون في انتظار اللحظة الحاسمة. والتي جعلت فرائصهم ترتعد كلما خرج عراف وقال إن نيزكاً سيغير مساره ويرتطم بكوكبنا الصغير، وان هذا النيزك لن يغير مساره إلا بتعويذة فيها طلاسم.
في الفيلم ينجو رؤساء العالم الحر، وأصحاب الشركات الكبرى، والأمريكي الذي يسبق الخطر ويتفوق على الكارثة، وفيما ينقلب العالم رأساً على عقب، يحقق اليانكي المعجزة. هكذا يظهر الإيطاليون أغبياء يلجؤون إلى الفاتيكان متضرعين إلى الله الذي لن يسعفهم. فيما لا وقت للمزاح في أمريكا. فالعمل جار على قدم وساق لإنقاذ الأمريكيين من الكارثة، رهبان التيبت لن تنفعهم طيبتهم. فماء البحر قادم. وسيغمر أمنياتهم بالخلاص. أما مسلمو العالم فإنهم وحسب الفيلم يركعون حول الكعبة دون أن تظهر مشاهد لتهدم مناطقهم المقدسة، وذلك لضمان ترويج الفيلم بين مليار منهم. في حين لا يتوانى فنانو كاريكاتير العالم الحر عن نشر رسوم (مسيئة للإسلام)، فالعالم الحر هوائي لأبعد الحدود. ومتذبذب إلى الحد الذي لا يطاق. هكذا نظهر في الفيلم – نحن العربان- على هيئة أمراء يدفعون ملايين الدولارات للنجاة بالسفن التي سيبنيها العالم الحر، ثم نتخلى حتى عن عائلاتنا الممتدة وقبائلنا العتيدة لأنه «اللهم أسألك نفسي». ليتنا نتخلى عن عشائريتنا في أشياء أخرى. كتوزيع الثروات الوطنية لكننا لا نفعل ذلك أبداً لأن رأس مال العربان عشائريتهم. ولا بدّ لشيوخ العشائر من عزوة. في حين يضحي الرئيس الأمريكي الأسود، وحسب الفيلم أيضاً، ليموت مع من سيموت من شعبه.
لن ينتهي العالم في 2012، لأنه لا يوجد نهاية يمكن لأمريكا أن تنقذ فيها أحداً، ونحن أبناء الشعوب التي لشدة ما نكل بها صرنا نغني: «أمريكا على الأسوار تهدي كل طفل لعبة للموت عنقودية/ يا هيروشيما العاشق العربي أمريكا هي الطاعون.. والطاعون أمريكا»، وبهذا لا نستطيع أن نرى نهاية العالم إلا على تلك الطريقة التي حول الإسرائيليون فيها غزة إلى مقبرة وسجن جماعيين. هناك في غزة نموذج لأرض تلفظ أنفاسها، وليس أسوأ من تلك النهاية التي حول الأمريكيون فيها العراق جهنم و.. «لأمريكا سنحفر ظلنا ونشخّ مزّيكا على تمثال أمريكا».