معنى النكبة في فكر قسطنطين زريق: في مساءلة «المعنى»... واستعصاء تجاوزه

ما بين «معنى النكبة» (1948) و«معنى النكبة مجدداً» (1967) لم تتغير المقاربة النهضوية الكلاسيكية للواقع العربي، حيث تجعلنا المقارنة بين هذين الكتابين لقسطنطين زريق ندرك أن الخطاب النهضوي العربي لم يستطع أن يقوم بمراجعة جذرية لأساسياته وأولياته الفكرية بين هزيمتين، فإذا كان الإنجاز الأبرز لهذا الخطاب هو محاولته توحيد إشكالية «النكبة» مع إشكالية «النهضة» بوصفهما تحدياً واحداً يواجه المجتمع العربي، فإن التلقي والتطبيق المشوه لطروحات ذلك الخطاب في السياق التاريخي العربي المعاصر لم يدفع صائغيه إلى توجيه أسئلة أكثر عمقاً لجذر خطابهم بالذات.

بعيداً عن تهويمات «القدر» و«العقاب الإلهي» و«المؤامرة الصليبية»، بحث كلاسيكيو الفكر النهضوي العربي وعلى رأسهم قسطنطين زريق عن الأسباب الذاتية للنكبة، فردوها للتخلف المسيطر على الوضع العربي، ورأوا أن حالة الانتكاس المعنوي التي تعيشها الجماهير العربية ستبقى قائمة مادامت الدول العربية بعيدة عن قيم التقدم والحداثة، ليخلصوا إلى طرح قائمة طويلة من التوصيات للنهوض بالأمة وتحديثها، دون تقديم معالجة نقدية مكثفة للبنى السلطوية والاجتماعية والاقتصادية العربية في سياقها التاريخي «النكبوي» إن صح التعبير. هكذا جاء كتاب «معنى النكبة» في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي ليكون الطرح الأكثر تماسكاً ضمن ذلك المنظور، وليشكل خطوة فكرية كبيرة إلى الأمام رغم كل ما قد تقدمه قراءتنا المعاصرة من انتقادات بخصوصه.

وبعد هزيمة حزيران انطلقت موجة جديدة من النقد الذاتي طالت العديد من مظاهر وتجليات الوضع العربي، وحاولت مساءلة البنى العربية المترسخة حول دورها في إنتاج وإعادة إنتاج النكبة، إلا أن تلك الموجة رغم كل عنفها وصخبها لم تستطع أن تتجاوز طروحات النهضويين العرب الأوائل بشكل جذري، فكانت تنويعاً حاد النبرة على النغمة نفسها، ولهذا لم يكن من المستغرب أن يقوم قسطنطين زريق الشيخ بإعادة صياغة طروحاته القديمة في كتاب جديد بعنوان «معنى النكبة مجدداً»، لم يقدم فيه أكثر من صياغة جديدة للأفكار نفسها بعد توسيعها وتطوير لغتها بما يتناسب مع لغة الستينيات من القرن الماضي.

مازال الطرح النهضوي العربي الكلاسيكي حول «معنى النكبة» حتى يومنا هذا من أكثر الطروحات عقلانية وتماسكاً، رغم أنه لم يثمر على أرض الواقع إلا أكثر النتائج تخييباً للآمال، وأكثر التطبيقات تشوهاً، فهل مازال بإمكاننا البناء عليه في تعاملنا مع «النكبة» كواقع ومفهوم؟ ولماذا لم نستطع أن نقدم حتى الآن طرحاً يتجاوزه نقدياً، ويوجه أسئلة أكثر تجذراً للبنى والمفاهيم التي خلقت واقع النكبة؟!! 

■ م.س.ك