سناء عون سناء عون

وأنتم بماذا تحلمون؟؟

لن يكون لأهل فلسطين يوماً ما ريشة تحولهم إلى هنود حمر، ولن يتوقف حلمهم الدائم بالعودة، ذلك الحلم الذي يكاد يرى.

فلسطين ليست تراباً وهواء، ولا زعتراً برياً و«ميرامية».. ليست الأقصى وبيت لحم وقبة الصخرة وكنيسة القيامة.. ليست طرقاً وبيوتاً تخبئ صور من هُجر عنها، ولم تيأس من الانتظار.. وليست شعارات رنانة يطنب بها بعض المنتفعين من حامليها.. إنها قبل أي شيء، وبعد كل شيء؛ نحن..

نحن الذين شكلنا وطناً لم نشرب ماءه، ولم نتنفس هواءه، ولم نلعب فوق ثراه، ولكن الذاكرة بقيت محملة بخزائن ثقافة ترفض إلا أن تسكن أبناءها، وتخلق لهم صوراً كثيرة لكي يكونوا، وليس بمقدور الغاصبين أن يغيروا هذا الميراث على مر العصور.

هنا لا تهم الجنسية الفلسطينية «الورقية» لكي نحلم بفلسطيننا العربية، والعربية فقط، بعيداً عن سلطة تحاول شرعنة وجود «إسرائيل»، وقبول من لا يقبلها زوجاً شرعياً ومعتبراً إياها على الدوام زانية، وأماً لأولاد غير شرعيين، لا تعنيها قوانينهم وجوازات سفرهم المزورة،  فلديها تاريخها وإنسانها الذي سيكون يوماً ما يريد، كما يقول شاعرها الكبير محمود درويش. 

منذ عامين، وفي الذكرى الستين لنكبة فلسطين، وأثناء عملية تبادل الأسرى مع العدو، عبرت الحدود اللبنانية السورية جثامين الشهداء القادمين من فلسطين لتصل دمشق.. حاولتُ أن أصم أذني عن الكلمات والصراخ والزغاريد والموسيقى، لأن صوت تلك الفتاة الصغيرة التي حضرت لاستقبال الأرواح العائدة مسجّاة، كان قاسياُ وحاداً:

- «آنسة ما معنى وطن؟؟».

- لحن ندخل به من كل الحواجز دون أن نخضع لتفتيش مذلّ..

لا يتحقق الوطن إلا بالإنسان، ومن عاد سيعود ليس فقط بصرخة مقاوم، سيعود أيضاً ليخرجهم بول الأطفال الذين منعوا من التبول، ومن الرسم على الجدران، ومنعوا من حمل آلة نفخية يعزفون عليها لحناً طفولياً، سيدخلونها بسيمفونية الإنسان الذي يشكل وطناً.

لكي تستمر الشعوب يجب أن يكون لها حوامل ثقافية عميقة عمق البشرية، وأحلاماً مشروعة   في العيش، وحلمنا فلسطين، فلسطين فقط.. وهو حلم لم ولن يتوقف.

ولكن، في المقابل، أولئك المحتلون الذين تركوا بلادهم، وأقنعوا أنفسهم بأن أرض غيرهم ستكون وطنهم الموعود، حتى من ولد منهم في فلسطين ويحمل جنسية بلد أنشئ على دماء أبنائه منذ أكثر من ستين عاما: بماذا يحلمون؟ ولماذا تجعلهم ثلة مقاومين يهرعون خارج ذلك الذي سموه «وطنهم الموعود»، ليعودوا أدراجهم... ألا يحق لنا – أيها العابرون بين الكلمات العابرة- طرح السؤال التالي عليكم:

هيي.. أنتم.. بماذا تحلمون؟؟