في شؤون العاشقين.. وعن الاحتجاج الذي أصبح واهناً
من يكتب عن العشق اليوم. كل الأدبيات تقدم نصوصاً خاطفة. بمثابة وجبات سريعة يكون فيها الحب مجرد بهارات مكملة للحكاية. كأن الحب الذي يطلبه الجميع أصبح أمراً فائضاً عن الحاجة.
من يكتب اليوم عن السياسة؟ وقد صار المنطق يعوز الجميع لأن هناك من يقف ضد المنطق الذي لا يتفق مع رؤى الجالسين في المنتجعات والشقق الفاخرة. هكذا تبدو التكنولوجيا الباردة بمثابة ملاذ ولكنها في الوقت نفسه أصابت أقلام الكتاب في مقتل. كل شيء افتراضي حتى الهوى. وأشكال التواصل الإلكتروني الجديدة وضعت المشاعر الإنسانية في ورطة حقيقية لا تحمد عقباها. وبهذا نلتصق كثيراً بالآلة لنصير جزءاً منها. مجرد جزء أصم لا يعي ذاته. حتى الاحتجاج أصبح بارداً وبلا طائل. وداعاً لفكرة التظاهر والمسيرات الشعبية. وداعاً للعشاق الذين كانوا يسهرون تحت شرفات حبيباتهم منتظرين إطلالة تهيج قلوبهم أكثر مما تشفيها. وداعاً لأشياء كثيرة صارت تختصر بإيميلات يتم تناقلها من باب الدعابات. اجمع مليون شخص على مجموعة في «فيس بوك» لإيصال صوتك. ولكنَّ ثلاثة أرباع المليون ذوو أسماء وهمية وصور وهمية. وهكذا تصير وهماً معهم بلا أي منازع. أوهام تتواصل افتراضياً فيصير الاحتجاج واهناً، والقضايا مائعة. وهكذا أيضاً تنال أكبر القضايا تعليقات ساخرة بما يكفي لتحويلها إلى أتفه قضية على وجه الأرض.
في الفضاء الالكتروني نرتجل الكلام، نشتم ونصرخ، ونقول آراءنا بحرية كاملة ونتنفس ما نعتقد أنه الصعداء لنعود من بعد ذلك فصاميين حتى النخاع إلى العالم الأرضي المصاب بمس من شياطين تقف في مواجهة كل شيء نريد أن نفعله. وعندما نجلس في مراجعة مع الذات نرتد إلى أصولنا ونرتدي عباءات ندعي طول الوقت أننا نعيش لنتخلص منها. نحن أبناء الحرية المجهضة. نفتش عن متنفسات واهية مستعينين بتقنيات همها الأول الحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات عن مجتمعاتنا للاستفادة منها في صناعة إعلانات وبرامج تلفزيونية لتهذبنا نحن الذين يعتبروننا وحوشاً بشرية. تابع فضائية «العربية» وانظر كيف تصاغ الأخبار، وكيف تدفع أموال طائلة لاقناع العرب (الإرهابيين) بإعلانات متقنة الصنع كيف يعودون إلى آدميتهم. وكيف يقصون أظافرهم وينزعون مخالبهم. وهذه الإعلانات بالتأكيد موجهة ضد فكرة المقاومة وليست ضد فكرة الإرهاب.
هل تخطت البشرية مرحلة البحث عن الحب؟ هل نحتاج لوزارة تعنى بشؤون العاشقين بخطة خمسية ما. بالتأكيد لسنا بحاجة إلى ذلك. ولكنه من الممكن ترك الناس يحبون كما يشاؤون كي ننتهي من الجوع العربي المزمن للجسد والحالات المرضية التي ترافقه. ولكن من الضرورة حماية الكتاب الذين يحاولون الكتابة من منطلقات جمالية وثقافية عن الجسد. إذ لا يجب تركهم وحيدين في مواجهة ثقافة أحادية لا ترى إلا نفسها.. دعوهم يعملوا، دعوهم يمروا.