إنهم يقترفون الرحيل بخاري الذي عشق العربية
رحل المفكر السوري برهان بخاري يوم الجمعة الماضي عن عمر ناهز 69 عاما مخلفاً وراءه مشاريع هامة بحاجة إلى من يترجمها إلى واقع، وقد عرف عن المفكر الراحل عشقه للغة العربية واهتمامه بها حيث وضع الأسس العلمية لأول معجم أوزبكي عربي وعربي أوزبكي، وقد أغنى المكتبة العربية بمؤلفات هامة.
ولد بخاري بدمشق عام 1941 ودرس الفلسفة واللغة الإنكليزية في جامعتها ثم قام بتنفيذ مشروعه الخاص بمحو الأمية للكبار وأعد بعد ذلك مناهجه لتعليم اللغة العربية للأجانب وتعليم اللغات الأجنبية.
وفي السبعينيات من القرن الماضي بدأ مشروعه الخاص بمحو الأمية لدى الكبار في سورية، حيث كان يزور القرى ويوزع مؤلفاته مجانا، كما أعد بعد ذلك مناهجه لتعليم اللغة العربية للأجانب وتعليم اللغات الأجنبية للعرب.
وفي عام 1979 دعي بخاري إلى طشقند عاصمة أوزبكستان للاشتراك في العيد الألفي لابن سينا فكانت هذه الدعوة بداية دخوله إلى العمل الأكاديمي، حيث ترجم لأول مرة قطعا أدبية من الأوزبكية إلى العربية مباشرة بعدما كانت الترجمة قبل ذلك تمرّ عبر اللغة الروسية.
تعززت جهوده الأكاديمية بعمله أستاذا زائرا وخبيرا في جامعة الكويت عام 1983، حيث ساهم في تطوير بحث حول الصوتيات العربية بما يعرف بالكلام المركب صناعيا والحاسوب.
كان أول من عمل على تحويل الكلمات المكتوبة إلى صوتية بواسطة الحاسوب، وتوصل إلى تقطيع الأوزان الشعرية (عروضيا) بواسطة الحاسوب.
من أبرز الأعمال التي أنجزها بخاري مجموعة من الموسوعات من بينها موسوعة الحديث النبوي الشريف، وموسوعة شعرية عن نزار قباني، والموسوعة الشعرية من العصر الجاهلي إلى العصر الحديث بالتعاون مع مجمع أبي ظبي وأعمال أخرى.
الجابري يطوي أوراقه... ويرحل
أربعون عاماً من البحث والكتابة وطرح أكثر الأسئلة خطورةً وراهنية انتهت يوم الاثنين الماضي برحيل الباحث المغربي محمد عابد الجابري، صاحب أحد المشاريع النقدية التي انتجها الفكر العربي في القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين.
ابتدأ الراحل مشروعه منذ سبعينيات القرن الماضي مع كتاب «العصبية والدولة: معالم نظرية خلدونية في التاريخ الإسلامي» طارحاً إشكالية التراث الإسلامي و ضرورة تقديم مقاربة معاصرة له لتأصيل مشروع الحداثة في البنية المعرفية العربية الإسلامية، وقادته محاولاته تلك إلى نتيجة مفادها: «لا نهضة فكرية ممكنة من دون تحصيل آلة إنتاجها، أي العقل الناهض» فبدأ بمشروعه المعروف «نقد العقل العربي» بمجلداته الأربعة التي أثارت ولا تزال تثير الكثير من الجدل بين المهتمين بالتراث، وأحدثت لغطاً كبيراً في أوليات وأساسيات النظرة إلى الأسس الأبستمولوجية للمعرفة الإسلامية، حيث دفع الجابري خطاب النهضة العربية من نقد «الفكر الإسلامي» إلى نقد «العقل الإسلامي».
غادر الجابري عالمنا وهو مستمر في عطائه الفكري، حيث كان منهمكاً في مشروع جديد هو «فهم القرآن الحكيم» الذي قدم من خلاله نظرة جديدة للنص الإسلامي المقدس، باعتباره الإطار المرجعي الأساسي للعقل الإسلامي، معتمداً على المناهج الأكثر حداثة في العلوم الإنسانية. ومع اكتمال الجزء الأكبر من هذا المشروع، رحل الجابري مخلفاً لنا إرثاً نقدياً مفتوحاً للجدل لدى الناطقين بلغة الضاد، وتاركاً فراغاً في ساحة فكرية مازالت الظلامية تشغل مساحاتها الأكبر.