"الثقافة الشعبية": استراتيجية ثقافية لحماية الموروث العربي
مجلة ''الثقافة الشعبية'' التي تدخل سنتها الثالثة طرحت في عددها التاسع مواد في غاية الأهمية والتنوع من مصر والمغرب وسورية والأردن وتونس. واستهلت الدورية التي يرأس تحريرها علي عبد الله خليفة عددها بالدعوة للعناية بالثقافة الشعبية وفق رؤية استراتيجية تتجاوز الفزعة الآنية، وتتخطى الجهود اللحظية العابرة، وتطالب في الوقت نفسه بجعل الأمر في رعاية الدول، وفي صلب السياسة بوصفها ''رافداً وطنياً''.
غير ذلك، جاء في عدد الدورية التي تصدر بالتعاون مع المنظمة الدولية للفن الشعبي، مقال نظري واحد، وترجمة واحدة أنجزتها مديرة البحوث الميدانية في الدورية نور الهدى باديس عن وحدة وزن اللؤلؤ الـ''جو'' فيما نحت بقية المواد منحى تطبيقيا. فيكتب عبد الحميد حواس ''المادي وغير المادي في الثقافة الشعبية'' مقدماً لمحات وتعريفات لمفهوم الثقافة الشعبية. ويأتي في إثره، بحسب التبويب، محمد السموري الذي عالج في مقاله دلالات فن ''العتابا'' بوصفه شعراً شعبياً وتراثاً غنائياً، ويحاول فيه رد هذا الفن إلى أصله، ثم ذكر علاماته المميزة التي تفصله عن سواه من فنون شعبية شبيهة بذكر الفروقات. وفي باب "العتابا" نفسه، باب الأدب الشعبي، يطرق محيي الدين خريف باب النخلة في الجنوب التونسي. ويمهد لمقاله بالحديث حول النخلة مستشهداً بما جاء في المدونات القديمة حول هذه الشجرة، ثم يبسط الحديث عن الأدب الذي اتصل تمجيداً بهذه الشجرة ذات القدسية. ومن الفضاء عينه يقرأ أحمد الخصوصي أشعار أحد الشعراء الشعبيين التونسيين وهو على الدليوي العياري. وآخر إسهامات هذا الباب عبارة عن قراءة في إصدار أحمد الحسين عن الفنون الشفاهية في الجزيرة العربية أنجزها جاك شماس بلا توثيق للكتاب المستعرض لا في المتن ولا في الهامش.
مقال كتبه إدريس مقبوب عن نظام الأعراس في المغرب عالج الموضوع عبر اختيار نموذج إحدى القبائل الأمازيغية، وفيه يقدم بالتفاصيل جميع المراحل والطقوس التي تسبق الزواج أو تمهد له - ما قبل الخطوبة - حتى إتمام المراسم المتعلقة. وبعد العرس الأمازيغي، أول مواد باب العادات والتقاليد، توجه مريم بشيش الدعوة للعمل بسرعة على حفظ وتوثيق الأطباق والأكلات التقليدية وأرشفتها، حيث إن زمن العولمة الحالي وطبائعه الاستهلاكية، ودخول عناصر ومكونات جديدة في المطبخ العربي، كفيل بتضييع ما تبقى في هذا الشأن. الباب التالي من العدد نشر لها في العدد دراسة ميدانية مطولة عن أغاني المهد في البحرين. في باب حرف وصناعات تتوزع مواده على صناعة الدمى التقليدية في جنوب الأردن، والبلاص المصري والحلي في الثقافة العربية والشعبية. وقد اشترك كل من سعد الطويسي ومنصور الشقيرات في كتابة مقال ''العاجة، دمية تقليدية لتسلية الأطفال في جنوب الأردن''، تناولا فيه هذه الدمية من حيث أصل التسمية وتقنية الصنع. أما البلاص المصري فتكتب عنه إيمان مهران ''البلاص حامل مياه النيل''، وتستعرض أنواعه ووظائفه وارتباطه ببعض الطقوس كالزواج والسحر، ثم يقارب صلاح الشهاوي موضوع ''الحلي والزينة في الثقافة العربية والشعبية'' عبر تطواف على أنواع الحلي سواء تلك التي توضع كزينة للرأس والشعر أو للرقبة والصدر وللأذنين والأنف والخصر والساعد.
ثم تتناول بزة الباطني باستفاضة كبيرة ''من أغاني المهد في البحرين'' في الباب الموسوم: في الميدان. وتبدأ بنثر بعض الملاحظات حول اللهجة المحلية قبل أن تدلف في استعراض نتائج عملها الميداني حول هذه الأغنيات، أنواعها، نصوصها بحسب جنس الطفل، وبحسب بعض المدن والقرى البحرينية.
أما آخر الأبواب فعبرت فيه أحلام أبو زيد على عدد من الإصدارات الجديدة التي تعنى بالثقافة الشعبية، واختارت في هذا العدد مجموعة من الكتب الصادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب، ومديرية التراث الشعبي في وزارة الثقافة السورية.