بيترا محمد جومر - (15 سنة) بيترا محمد جومر - (15 سنة)

رائحة الياسمين

على تلك العتمة التي تقطعها أضواء متراجفة مترامية في كل مكان كنت أطل برأسي من نافذة تقع في علو حيث كنت أسكن مع عائلتي، كان الجو بارداً والوقت متأخراً..

 لكنني اعتدت النظر من هذه النافذة كل يوم قبل أن أتوجه إلى سريري كي أتأمل الحياة وأشعر بها، لا أدري ما سبب ذلك اليأس الذي يصيبني فيجعلني أشعر بأن جميع ما حولي يائسٌ مظلم. منذ فترة وأنا أتذمر من كل الأشياء.. لا شيء يعجبني، ولا أشعر حتى برائحة الياسمين المنبعثة من شرفة الجيران.. دخلت وأغلقت النافذة وأنا أفكر.. أو ربما لا أفكر لا أعرف! وعند الصباح ارتديت ملابسي وخرجت إلى المدرسة حاملة حقيبتي وقفت إلى جانب الكثيرين المنتظرين الحافلة.. جميعهم عابسون، أتت الحافلة.. صعدت وجلست قرب فتاة تبدو من عمري.. أثارت فضولي ابتسامتها.. كانت تبدو كلوحة متفائلة مشرقة بكل ما فيها.. حتى أنها أخذت تردد بصوت منخفض أغنية من مسجلة الحافلة.. شعرت أنها تنظر من النافذة التي بقربها تتأمل الأشياء بإمعان وكأنها تراها لأول مرة أو أنها تستقبل الحياة اليوم.. أحسست أنني مغتاظة من تلك الفتاة.. شعرت بغيرة غريبة ليس من حقي أن أشعر بها، وبدأت أقول لنفسي: «ربما هذه الفتاة تعيش عيشة أفضل من عيشتي أو...»، وبينما أنا مشغولة بأفكاري التفتت نحوي وهي تبتسم ابتسامة لطيفة جداً، لكنني رشقتها بنظرة حاقدة.. وعبست بشدة، وما جعل غضبي يزداد أنها بقيت تبتسم كأنني ما نظرت إليها. لقد رغبت أن أضرب تلك الفتاة، لكن لا أعرف ما الذي جعلني أضبط نفسي عن فعل ذلك.. ربما لأنها عادت لتنظر إلى النافذة. وعندما وصلت إلى المكان الذي يتوجب على أن أنزل فيه صاحت هي بصوت رقيق: «عذراً لو سمحت أريد أن أنزل..»، وأخرجت من جيبها قطعة معدنية لا أعرف ما فعلت بها فتحولت إلى عصا.. كنت أنظر إليها بدهشة.. فتح باب الحافلة فنزلت منها، ومشت وهي تطرق بتلك العصا، لا أعرف أو ربما لا أقدر وصف ما شعرت به تلك اللحظة.. إنها عمياء ترتدي معطفاً بالياً وحذاء قديماً، وتحمل بيدها بعض القطع الصغيرة المتنوعة كي تقوم ببيعها متجولة في هذا البرد والمطر. لم أنتبه إلى كل هذه التفاصيل إلا عندما نزلت من الحافلة.. شعرت بالأسى والأسف، فرسمت ابتسامة خجولة وأمطرت عيناي، كنت أعتقد أنني أنظر من نافذة غرفتي إلى الحياة، لكنني عرفت أن تلك الفتاة التي كانت تنظر من نافذة الحافلة إلى الحياة، وأنني أنا العمياء وليست هي.. أدرت ظهري بعد ذلك، واتجهت إلى المدرسة وأخذت نفساً عميقاً.. فشممت رائحة الياسمين.. ومشيت....