أكره الألوان الفاقعة!! عندما تتحرر لغة الطفولة من قيودها

«رسالتنا لن تصل بالبريد، إنما الهواء هو ساعي البريد. رأى أشياء وأشياء،؛ منها فرحة ومنها محزنة. رأى الأمل لكنه تخيله موضوعاً في كؤوس مرمية على الطرقات وهو يطير فوق يافا وحيفا وأريحا»

بعيداً عن سلطة المؤسسات المستقرة ولغتها المترسخة التي «رُبيَّ» آلاف الأطفال على إعادة إنتاجها في كتاباتهم، بدأنا نشهد ظهور عدد من المشاريع الرائدة التي تحاول تحرير لغة الطفولة من أسر خطابات «الكبار»، ولعل الكلمات المقتبسة أعلاه من مقدمة كتاب «أكره اللون الأحمر»، هي بادرة مبشرة لظهور كتابة طفولية عربية مغايرة لما راكمته آلاف مواضيع الإنشاء التي اضطر أطفالنا إلى كتابتها طيلة العقود الماضية.

في هذا الكتاب نجد مجموعة من النصوص التي كتبها الأطفال ضمن ورشة عمل «رسالة إلى غزة» التي  أقامتها «جمعية قوس قزح» و«مكتبة الأطفال العمومية» في اللاذقية، وعن غزة وفلسطين قال هؤلاء الأطفال كلمتهم غير خجلين من «سذاجتها»، فقدموا لنا تعبيراً جديداً عن «القضية» يقرِّبها من روح الطفولة، ويساهم في تجديد أسلوبنا في التعاطي معها، وهو ما أعياأكثر كتابنا تمرداً وتجديداً بعد أن اصطدموا بسماكة القشرة التي غطت قضايانا بفعل عشرات الخطابات والشعارات التي تراكمت عليها. 

فلنقرأ على سبيل المثال ما كتبته الطفلة ندى سليمان (7 سنوات) في رسالتها الموجهة إلى «أطفال العدو»: «هل ترون كيف فعل أهلكم؟!... سأساعدكم لأنكم تحتاجون لمساعدة كي لا يقضي عليكم أهلكم. قوموا بالخطة: أولاً تتسلون وتأخذون المال. وبعدها تركبون القطار إلى الخارج ثم تذهبون إلى سورية في اللاذقية، ضاحية تشرين عند الغابة. يكون هناك بيتي، كي تلعبوا معي. أرجو أن تفعلوا ما قلت لكم، وإلا ستعيشون حياة بائسة إلى الأبد». أو ما كتبته الطفلة نفسها إلى الحكام العرب: «سأسألك لأول مرة سؤالاً يختصُّ بك: لماذا لا تبقى مبتسماً؟ إن كنت تريد أن تبقى مبتسماً، طر في الهواء كي تأتي إلي أحكي لك كل النكت الطريفة التي تضحك كل الحكام وليس أنت فقط»!!!

 لو قدَّمت هذه العبقرية الصغيرة كتاباتها في أي مدرسة من مدارسنا لنالت درجة الصفر، واتهمت بالفشل في كتابة مواضيع الإنشاء، والركاكة في التعبير، هذا إذا لم تعاقب بشدة على «سخافتها» و«كسلها»!! أما نحن الذين ندعي قدرتنا الخارقة في التلاعب بالكلمات والتمرد على السائد، فما زال يلزمنا الكثير الكثير لنقدم عن قضايانا مقاربات بهذه اللغة الطازجة والتجديدية، مما يدفعنا للتساؤل: هل بقي لدينا ما نراهن عليه سوى هذه اللغة الطفولية المتحررة من قيودها؟! وهل ستستطيع هذه اللغة يوماً دكَّ البنى المتحجرة التي طال تسلطها علينا؟! 

■ م.س.ك