ربما ..! مزيداً من الخيانات
أغلبنا من العالم السفلي، من تلك الضواحي والأحياء العشوائية الفقيرة، من البيوت التي بلا طينة أو بلاط، وبلا شروط صحية. أغلبنا من هناك، من تلك الأمكنة المشبوهة، من المساكن التي بلا تنظيم ولا عناية، وتقريباً بلا أوكسجين..
وأغلبنا حين نلتقي نتبادل أحاديث حاراتنا، عن بذاءة الأولاد الذين بلا طفولة، وعن النساء والرجال، المقهورات والمقهورين من الفقر.. عن شخصيات عجائبية وعوالم أقرب إلى الخيال، فيضحكنا من يروي ويبكينا حسب مناخ الحكاية.. لكننا جميعاً حين نذهب لنكتب ننسى كل ذلك!!
نحن من العالم السفلي، أو ما يسمى بـ"الأندر غراوند"، ولكننا لا نكتب عنه إلا لماماً، لا نتحدّث عن أهله ولا نوثّق حكاياته مع أنه منجم أدبي وفكري ثمين يمكّن كاتبه من مقولات فكرية وتاريخية وسياسية، ناهيك عن الإضافات الكبيرة التي من الممكن تقديمها في كتابة هذه العوالم.
يأتي الابتعاد من فهم مغلوط لتعاليم الحداثة التي أولت الاهتمام الأكبر للذات، وهو ما جعل الشعريات العربية المعاصرة تعاني من عطب جوهري، حيث راح الشعراء يكتبون بمنطق استعراضي، لا لغرض قول ذات أو عن إفصاح عن كينونة، ضمن العلاقات المنطقية بين الذات والعالم، الأنا والآخر، وإنما ليقولوا لنا إنهم هم لا سواهم من فعل كذا، وإنهم هم من قال كذا، دون أن يكون مهماً ما قالوا أو فعلوا.
تبدو الذات الأدبية خائنة في زمننا حيث تشتغل على ما يجب أن يُنسى ويزول، ربما لأن كثيرين يزاولون الكتابة كعملية تطهر لا كفعالية عقلية وجدانية..
عنوَن غسان كنفاني إحدى مجموعاته القصصية بـ"عالم ليس لنا"، فهل يمكن أن نضيف: ونصوصه ليست عنا؟؟
رائد الوحدش
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.