جلال الدين الرومي في «حالة عشق»
ينشد جلال الدين الرومي رباعياته: كلامنا العذب الذي تبادلناه/ أودعته القبة الزرقاء في قلبها الخفي/ ويوماً ما ستسكبه كالمطر/ وينمو سرنا في سعة العالم.. فيقدم رؤية المتصوفين بشكل عام في الحب كمطلق للتعامل مع الآخر ظاهراً كان أم باطناً، ويتعامل من منطق العشق مع المأساة التي لاحقته طيلة حياته، ومن هنا تشتق الكثير من فنون الشرق رؤيتها، فنجد كل عمل ينحو نحو التصوف والاندماج بالذات المطلق مستمداً من شخصية شرقية ما، سواء كان جلال الدين الرومي أو المعري أو الحلاج، إلا أن هذا النموذج الثقافي الفكري بحاجة إلى كف مبدع لكي تقدمه عام 2010 للجمهور على امتداد الخريطة، وهذا بالفعل ما حققته «حكاية عشق» العرض المسرحي الإيراني الموسيقي الراقص الذي قدّم على خشبة الدراما في أوبرا دمشق.
إن انتقاء المخرج والممثل الإيراني محمد حاتمي شخصية جلال الدين الرومي لتكون موضوع العرض لهو مجازفة حقيقية، من خلال صعوبة التعامل مع شخصية غامضة الملامح، ووعيها الكبير قد لا يشكل وعي الآخر لها، فرؤية حاتمي في العمل المسرحي من الواجب أن تكون خاصة إلى حد ما، بحيث يمكنه العمل على الشخصية وتقديمها من منظور إرثها الفكري وفهم المخرج لهذا الإرث، وحالة عشق شكلت من خلال الاعتماد على الموسيقى التصوفية والتلاعب بالرقص من خلال الاعتماد على الإضاءة والسطوح الشفافة والخيالات كتلة بصرية يمكن من خلالها فهم جلال الدين الرومي دون الحاجة إلى ترجمة العرض، بحيث يطغى ما هو بصري على اللغة، وهذا ما تفتقره العروض المسرحية المحلية، فهذه التجربة الإيرانية تجبر المختص بشأن المسرح المحلي على أن يقف أمام الذات المسرحية المحلية، ليدرك ضيق الأفق وعدم القدرة على الابتكار وضعف خلق مكان آخر للعرض ضمن صالة معروفة ومشهورة كما عمل حاتمي، إذ استغل أجزاءً بسيطة من الخشبة ليقدم كل الأمكنة التي عاشها جلال الدين الرومي في اختصار واحد.
ولدت الموسيقا من الألم والرقص من الذبح، إلا أن جلال الدين الرومي الذي لم يتغير شكله في العرض رغم أن العرض يمتد على أكثر من أربعين عاماً استطاع رؤية كل شيء في العالم من خلال حالة العشق التي لا تفنى رغم موت الأم والأب والزوجة والصديق، فحبهم هو حب العالم المستمر الدائم الذي لا يغيب،
والرؤية داخلية تستطيع أن تجعل من كل شيء جمالاً مطلقاً حتى حالة الموت.
إن بساطة الأساليب المتبعة في العرض هي جزء من بساطة الشخصية في تعاملها مع الآخر وضخامة المضمون الفكري الذي يقدمه العرض هو من ضخامة المقولة التي ينادي بها الرومي، هكذا يصبح العرض من جنس الموضوع، وهو ما عودتنا عليه النماذج الفنية الإيرانية سواء بالموسيقى أو المسرح أو السينما، حيث حققت العالمية من خلال مصداقية القائمين عليها في التعامل مع الموضوعات، وحملهم لمشروع كبير يتجاوز كل أساليب الرقابة الممارسة عليهم، فها هو جلال الدين الرومي ما زال جزءاً من الحالة الفكرية الإنسانية التي لا تغيب عن الثقافة الفارسية والشرقية ككل، فحبذا لو نستطيع تذكير الجمهور المحلي بالحلاج أو السهروردي كقيم فكرية لا تغيب حتى في ظل الاستهلاك الثقافي.