بالسكون يحلو الكلام
خرج علينا منذ أيام خلت رئيس مجمع اللغة العربية بدمشق، أقدم وأعرق المجامع اللغوية يناقش في حوار فضائي مفتوح واقع اللغة العربية، وما آلت إليه، وهل هي فعلاً مهددة بالانقراض، ولعمري إنه قد أحسن وأجاد مع رفيقه المصري في تشخيص حال اللغة، وتبين الحلول الناجعة لتناسب العلم والعصر.
إلا أن مقدم البرنامج قد «حشكه» بعدة نماذج واقعية تعمق الهوة بين الفصحى وبين الناطقين بها.
فلم يجد الرئيس نفسه إلا وهو يقدم التنازل تلو الآخر، حتى قال: إن كان ولا بد! فالسكون مقبول بدل الضمة والفتحة والكسرة، فتسكين الكلمات لغة مقبولة، أو كما قال.
وحسبه أنه يسير على الناطقين بالعربية، ولكن لمن هذا التيسير، أهو لمن يعتلون المنابر ويتصدرون الفضائيات، وينسبون أنفسهم للغة والعلم.
أيقبل من مذيع أو مذيعة الجهل برفع الفاعل ونصب المفعول وجر المضاف إليه، أيسمح لعليم ـ هذه الكلمة تعريب كلمة «دكتور» كما نص المجمع حسب رئيسه ـ أن يستعين بحركة الضعيف «السكون»!، ولم الحركات إذاً، فلنلغها من عربيتنا إن كان هؤلاء وأمثالهم والأدباء وأقرانهم والشعراء وأشياعهم لن يستعملوها.
وليمت «أبو الحروف» الذي كان فيما مضى، يعلم الأولاد في رسومه المتحركة، قائلاً عن نفسه: أنا أقوى من الضمة، وأسرع من الفتحة، وأحَدُّ من السكون.
لأن السكون غدا سيد الحركات، والإسعاف السريع لكل متلكئ أرتج عليه، فالفرنسية والإسبانية قد ملأت عقله حتى أنها زاحمت الضمة والفتحة، وصار من أعسر العسير أن نرسل أصحاب الدكتوراه وأرباب المؤلفات ليجلسوا طلاباً في حصة القواعد وعلم الإعراب.
أما دمشق المشهود لها بغيرتها على العربية المقدسة فقد سكن مجمعها اللغوي وأعضاؤه منذ سنين مضت، وآن لهم السكون، حتى أن البعض وصفهم بأنهم «ديناصورات» وعجب لبقائهم، فزمنهم قد ولى وآلوا إلى متاحف التاريخ وسكونهم قد طال حتى حسبنا أنهم أموات، بل الموت أرحم كثيراً من السكون، ألا يكفينا أن الشعب ساكن، والفقر ساكن، والجهل ساكن، والموت فينا ساكن، والقاعدة تقول: الساكت عن الحق شيطان أخرس ساكن.
ولكن ليعلم أن شبابنا الجدد قد أتوا بحركاتهم ونشاطهم، رافعين رؤوسهم، فاتحين عقولهم، كاسرين كل قيد، قاضين على السكون قضاء مبرماً. وأحبابنا أصحاب السكون، فليهنؤوا بسكونهم، وليسكنوا بسلام، فبالسكون تحلو الحياة.