إعلام لموظف الرقابة

من أوصل هذا الرجل ليكون بكل هذا الفجور؟ ومن سمح لوقاحته أن تصطف على أوراق الجرائد كما لو أنها بحور شعر لا تنضب؟ ببساطة صار لهذا الضخم (كرت) يوزعه على الصحفيين، ورجال الأعمال، والفنادق الفاخرة، وذهب إلى أبعد من ذلك.. كال الشتائم لنا وللشعب باسم المديح الأزلي المنفّر باسم زاوية رئيس التحرير تارة، وتحت عنوان المدير العام التنفيذي، وكل هذا باسم ثغرات الإعلام الذي لا يهمه سوى أن يمر العدد على الرقيب المتفرد دون أن يحرجه أو يمس حدوده.

الرجل الذي لا يجيد سوى جلب الجميلات، وإرسالهن إلى المطربين الصغار، ومدراء المؤسسات البائسة، وبعض الفاسدين، والذين يحلمون بصورة ملونة في أية صحيفة دون أن يقرؤوها، أو حالم بمنصب كبير يظن أن أحد طرق الوصول إليه هو الإعلام مهما كان.

 

الإعلامي الذي يتواجد في كل الأمكنة، والموائد التي يبدع في ترتيبها رجال الأعمال بمعية أسماء إعلامية ناشطة في الإعلام الاقتصادي السوري، وحيث يمكن أن تتوقع أو لا تتوقع، وحيث يمكن الظفر بإعلان أو نصف صفحة ملونة، أو حتى نشر خبر مأجور، وأضف إلى ذلك ما يمكن تناوله من فطائر وعصائر في مكان من الدرجة الممتازة.

 

الأماكن التي يفضلها الصحفي الضخم تعج بوجوه دائمة الحضور، والتي استطاعت على دوام هذا النمط من الدعوات أن تخلق نمطاً من المرتادين الذين يستلمون نص المؤتمر الصحفي أو إذا بذلوا جهداً يلجؤون إلى مراسل (سانا) الوحيد الذي سيكتب مادته في اليوم نفسه، وهؤلاء قد لا ينشرون خبر الوليمة أو المؤتمر في جرائدهم.

 

بالعودة إلى صاحبنا الذي يشكل حالة مستشرية وليست فردية، فقد استطاع باستطالاته الكثيرة أن يرأس دفعة واحدة أكثر من وسيلة إعلام، وذلك من صحيفة مستأجرة أو انتهت صلاحيتها وصولاً إلى موقع الكتروني ومن ثم الحلم بفضائية للرسائل والأغاني، وهذه قد تحتاج مذيعة واحدة تتقن حركات الإثارة وصوتاً ببحة أنثى ليل وسهر.

 

أما من (تقليعاته) المذهلة، والتي يمكن أن تسجل سابقة وسبقاً، فهي قدرته العجيبة على تحويل صوره إلى افتتاحيات، وتارة تكون على كامل الصفحة، ومرة بلباس الحج، وأخرى على هيئة الرجل الرسمي الذي يخاطب المؤسسات العليا في الدولة كناقد متمرس، ولكن الأدهى هو قدرته العجيبة على تحويل الهتافات إلى عناوين من الممكن أن تستثير الممدوح من غبائها وانتهازيتها.

 

الإعلامي الكبير متعدد المواهب قادر ببساطة على الذهاب إلى أبعد من خيلاء أي طامح بالنشر، فلا حد لطالب الإعلان في أن ينشر له في الوسائل التي يديرها كافة،  كما لاحد في عدد الصفحات والصور والكلمات، وإذا زاد في الدفع من الممكن أن تتربع صورته على الغلاف في جوار رئيس حكومة أو وزير، وحتى مطرب بلدي من الدرجة العاشرة، وإذا زاد في الدفع قد يحصل على أي عدد يريد من الصفحات والمانشيتات الملونة والعريضة... وإذا كان محافظاً قد يصل الأمر إلى عقد اتفاق على نشر صوره في كل الصفحات الممكنة، وأهمها تلك التي يصافحه بها أو يحاوره في مكتبه، وهذه الصور من الممكن العمل عليها فيما بعد مع من هم دون المحافظ مكانة.

 

الإعلامي هذا.. نموذج يصلح لمرحلة  ما قبل رغبتنا في قانون إعلام تستحقه هذي البلاد التي تعيش مخاضاً لا أحد يستطيع معرفة نتائجه، وعلى من يشكّلون اليوم لجنة إنتاج إعلام يحترمنا ويحترم تاريخ البلد أن ينتبهوا إلى نماذج من بينها هذا الرجل، نماذج اعتاشت طويلاً على فتات رجال الأعمال وفضلاتهم، على خديعة رسمت وجوهاً لا تفعل لخدمتنا أكثر من بحثها عن مصور رشيق لحفلات إنجازاتها... نموذج من صحافة تكتب تحت سقف موظف الرقابة الوحيد في وزارة الإعلام.