بطل هذا الزمن..

في زمن الأزمات والخوف والفوضى تتعاظم الآمال وتشخص العيون بحثاً عن ذلك القادم من بعيد، ذاك المنقذ، القادر على فعل المستحيل في الثواني الأخيرة المتبقية قبل فوات الأوان....

للبطل صفات وخصال تختلف باختلاف الظروف والأزمان، فهو حيناً رجل قوي البنية، عريض المنكبين، سمح الوجه، يأتي معتلياً صهوة جواده، حاملاً سيفه لينقذ غيره من الأشرار المعتدين، أو ذاك المناضل ذو العينين الثاقبتين، والشعر الطويل الذي آثر خوض ثورات في بلدان لا يحمل جنسيتها، ليعيش في الجبال والغابات عوضاً عن منزل دافئ أو كرسي وزارة.

والبطل حيناً آخر هو ذاك المحنك الذي يملك إجابات الأسئلة جميعها، الذي يعرف تمام المعرفة ماذا يحدث؟ وماذا يجب أن يفعل؟.

اعتبر الأبطال في تراث الشعوب بوصلةً من نوعٍ خاص، كونهم يجسدون المثل الأعلى الذي يسعى الأفراد لمحاكاته دون الوصول إليه، ومن هذا المنظور كان للأبطال  دورٌ إيجابي في دفع الأفراد نحو الأمام وتحفيزهم ليكونوا أفضل، إلا أنه في الوقت ذاته أعطى طابعاً خيالياً وكمالياً عن أولئك، فالبشر سعوا طوال عقود لخلق تلك الرموز، وإكمال أو إخفاء نواقصها، ونسب خصال لم تكن يوماً فيها، وإضافة المزيد من البريق واللمعان لتلك الصورة البشرية الأرضية للبطل.

 وهنا يظهر الجانب المعتم لصورة البطل الرمز، حين يؤسر الأفراد بها، ويظلون ساكنين حائرين منتظرين قدوم المخلص الذي سوف ينتشلهم مما هم فيه ويعبر بهم إلى بر الأمان.

واليوم، يبدو الواقع أكثر تعقيداً وفوضى واضطراباً مما يمكن لأي بطل مهما كان خارقاً أن يفهمه أو يحل معضلاته وحده، إلا أن البعض ما زال يبحث يميناُ ويساراً عن ذاك الكائن الاستثنائي المقنع والموثوق القادر على أخذ زمام المبادرة وتجميع فئات الشعب حوله على اختلافها وتنوعها.

إلا أن انتظارهم طال ولم يظهر حتى الآن شبح القادم من بعيد، كما وأنهم – أي السوريين- فقدوا منذ زمن طويل حتى فرصة الحلم بوجود بطل خارجي يحمل رسالة الحب والسلام والديمقراطية، ويأتي لهم بحل سحري..

ليس المقصود بذلك القول إن زمن الأبطال ولى، أو أننا نتجه بخطاً ثابتة نحو الهاوية دون أن يستطيع أحد إنقاذنا، وإنما القصد البدء ببناء وتمثل صورة أكثر اتساعاً وعمقاً لبطلٍ من هذا العصر...

بطل اليوم هو رجل الشارع العادي، ذو تقاسيم الوجه المألوفة، والجسد الذي لا يملك أية قوة استثنائية خارقة، والبطولة اليوم تختبئ في ثنايا التفاصيل اليومية الصغيرة التي تبدأ من العمل الجاد لنيل حياة كريمة، ورفض القبول بالواقع كأنه قدر محتوم، والتعبير عن الرأي صراحة سواء كان ذلك عبر حديث عابر مع صديق أو هتافٍ في الشارع.

 تلك البطولات الصغيرة المهملة هي التي سوف تصنع الفرق في النهاية، وهي التي سوف تقلب مجرى الأحداث، فعنترة العبسي لم يكن عن ألف رجل وإنما كان وراءه ألف رجلٍ كما يقال، وأولئك حقاً كانوا الأبطال الحقيقيين.