المعركة مستمرّة ضد المافيا
السلاح الأقوى الذي يمتلكه روبرتو سافيانو، في كتابه الجديد «متابعة المعركة ضد المافيا مستمرة.، كما يقول، هو الكلمات التي يضرب بها في مختلف الاتجاهات، محذرا من اتساع نشاطات منظمات المافيا إلى مختلف البلدان الأوروبية، وفي مقدمتها فرنسا، حيث يبدو أن الحكومة الحالية غير مبالية عملياً بهذه المشكلة، عبر تركيز الاهتمام على أشكال الجريمة المحلية، أو على الجريمة المنظمة. ولكن ليس على نشاطات المافيا، كما يكتب.
يؤكد المؤلف أن ظاهرة المافيا في إيطاليا، مهدها، ليست أبدا ذات طابع محلّي. وانه، وإذا كانت منظمة «كومورا» مرتبطة بمدينة نابولي، فهذا لا يمنع واقع أن مدينة ميلانو هي عاصمة العمليات الإجرامية. ويشرح المؤلف في السياق نفسه، مدى التداخل العميق بين نشاطات المافيا، وبين الطبقة السياسية الإيطالية. ويروي كيف أن بعض فئات المافيا تضمن لأحد السياسيين 1000 صوت في الانتخابات، مقابل مبلغ يتراوح بين 20000 و50000 يورو.
وأما قيمة الأعمال التي قامت بها المافيا في مجال تخزين النفايات المعنية، فقد بلغت لعام 2009 وحده، ما يعادل مستوى دخل شركة الهاتف الإيطالية، إيطاليا تيليكوم، وما يزيد عن عشرة أضعاف دخل شركة «بينيتون» للثياب. ويحدد المؤلف مبلغ دخل عام 2009، في القطاع المعني بـ20 مليار يورو.
ومهما تكن غرابة هذا الأمر بالنسبة لشباب اليوم الذين يتعاملون مع شبكات الانترنت، فإن المافيا تمارسه وتحرص عليه كنوع من التأكيد على السلطة، وعلى الانتماء إلى تاريخ محدد، وأيضا إلى مجموعة من القواعد، كما يكتب المؤلف. ويتم التأكيد في هذا الإطار، على ان قواعد عمل المافيا، لها قوة أكبر من القوانين النافذة في بلدانها. وعلى خلفية ترقب الخطأ أو الخيانة، ولا تتردد المافيا في تطبيق قواعدها بحذافيرها.
ويعود المؤلف، مرات عدة، في هذا الكتاب، إلى الحديث عن القاضي الإيطالي الشهير جيوفاني فالكوني، الذي جعل من محاربة المافيا هدفا جوهريا لعمله، إلى أن تم قتله على يدها، بتفجير السيارة التي كان يستقلّها، ثم قامت بعد ذلك بتشويه سمعته.
ويبدو أن المؤلف يذكّر بالوقت ذاته، بالحياة التي يعيشها هو نفسه: «وسيف تهديد المافيا» مائل دائما فوق رأسه. ولا يتردد في القول ان موضوع المافيا فيه بعض مظاهر التراجيديا اليونانية، خاصة بما تبديه من مواطن ضعف البشر، ولجوئهم إلى القتل بصورة منهجية مدروسة.