دراما رمضان.. والوقوف في الزوايا الضيقة
لا يستطيع المتابع، مهما امتلك من وقت الإحاطة بكل ما أنتج في الموسم الدرامي الرمضاني بسبب كم الإنتاج الكبير، أما على مستوى النوع فلم تستطع غالبية الأعمال الدرامية التي قدمت في الموسم الحالي، خاصة السورية والمصرية، الوصول إلى مستوى الحدث، رغم دخول السياسة إليها، وتناولها الكثير من قضايا الحدث اليومي المباشر.
كان يمكن لصناع الدراما والعاملين فيها، استثمار حالة الغليان التي تعيشها المنطقة، وتوظيفها بسلاسة في إنتاج مادة تلفزيونية جديدة تنطلق من الواقع، وتضع رؤية جديدة لمآلاته اللاحقة، وتجذبه لمتابعتها على أقل تقدير.
في مقاربة الأزمة!
تحاول أغلب الأعمال، وخاصة السورية منها، أن ترصد أحداث الأزمة وتبين ظروف الناس والمآلات التي يمكن أن تصل إليها من خلال التقاط بعض التفاصيل، ولكن هل تمكنت من الوصول إلى مبتغاها؟
يبعث مسلسل «شهر زمان» الذي أنجز قبيل رمضان، للسيناريست والمخرج زهير قنوع برسالة يقول صنّاعه فيها «نحن بخير رغم ما يسوّرنا من موت». ويحاول ملاحقة مصائر نماذج حياتية سورية، لأشخاص قرّروا التمسك بالبلاد، وآخرين استسلموا للظروف، منتظرين انتهاء الأزمة، والبعض ممن قرر التركيز على مستقبلهم. أما مسلسل «بانتظار الياسمين» فيحكي قصصاً عن الأحداث الدامية من خلال شخصيات وجدت نفسها تحت أشجار الحدائق العامة، وتحت خيم الأمم المتحدة للاجئين، في أصعب الظروف.
أما في الجزء الثالث من مسلسل «صرخة روح»، فتصل الخيانة إلى أعلى مستوياتها، إذ تدور أغلب قصصه (الثلاثية أو الخماسية) حول العلاقات غير الشرعيّة، وتجعل من الخيانة الزوجية موضوعاً وحيداً ومبالغاً فيه!
أجزاء متسلسلة!
دأبت شركات الإنتاج منذ سنوات على إنتاج أجزاء متعددة لبعض المسلسلات، خاصة تلك التي نالت نجاحاً في أجزائها الأولى. ويؤكد المتابعون لهذه الأجزاء المتسلسلة، أنها فقدت رونقها، وباتت مكرورة وباهتة، فالجديد هو الذي يظهر لمرة واحدة. وعندما يجري تكراره، فإنه حتماً سيفقد معناه مهما كان ناجحاً.
مسلسل «بقعة ضوء» الذي أصبح تقليداً سنوياً، يتابع في الجزء 11 من السلسلة الكوميدية الشهيرة، اعتماده في غالبية مفاصله على الأزمة العاصفة بالبلاد، حيث يرصد في لوحاته المختلفة قصصاً مستوحاة من حياة السوريين، خاصة في ظروف الأزمة، في محاولة، كما في أجزائه السابقة، لتقديم نمط من الكوميديا السوداء.
ولكن لم يحقق ما هو متوقع، فقد ظهر التدني في مستوى بعض نصوص لوحاته بوضوح، وتكرار أفكار لوحات قدمت سابقاً، وتحول بعضها الآخر إلى المغالطات والتهريج، وصلت إلى درجة الاستخفاف بعقول المشاهدين، وتحميل عدداً من لوحاته الناس مسؤولية ما جرى في البلاد، واختصار أسباب المشاكل في «أخلاق الناس الرديئة»!
وتحاول الفنانة السورية أمل عرفة في الجزء الثاني من مسلسلها «دنيا»، والذي حاز اهتماماً ومتابعة من الجمهور في الجزء الأول، رصد الحالة الإنسانية على خلفية الأحداث الدامية في سورية، ورغم شعبية الشخصيات التي قدمت في جزءه الأول، لكن المسلسل وقع في مطب التكرار بسبب غياب الأحداث الجاذبة الكوميدية على مستوى القصص.
القصص الجديدة.. لا جديد!
على مستوى النصوص، يلاحظ هنا بشكل واضح عدم الجدية في الانتقاء ولا في الكتابة إلا ما ندر. وقد أظهر ذلك كثرة اقتباس النصوص، والذي يكاد يصبح سمة الأعمال الدرامية العربية المشتركة في رمضان، وهو يعبّر عن مأزق وأزمة كبيرة في النصوص الدرامية، حيث يجري تعريب أعمال سينمائية غربية، البعض منها كان قد لاقى نجاحاً، والبعض الآخر لم يكن كذلك، ولذلك شهدت الشاشات الكثير من الأفكار المستنسخة عن قصص وأفلام منتجة سابقاً، وأكثر من ذلك حصول تنافس على بعض هذه القصص بين شركات الإنتاج، كما حدث مع مسلسل «العراب» الشهير في نسختيه. وكأنه لم يعد هناك نصوص في الأدب ولم يعد هناك ما يقال محلياً.
وقد اقتبس المؤلف نجيب نصير مع المخرج سامر البرقاوي قصة الدراما الرومانسية «تشيللو»، عن الفيلم الأجنبي Indecent Proposal.
ويعرض المسلسل، الذي تروي أحداثه قصة وقوع عازف بيانو وزوجته عازفة التشيللو في متاهات الحب والمال والسلطة، بعد احتراق مشروعهما على عدة قنوات عربية.
وسواء في «العراب» أو «تشيللو»، ومسلسلات أخرى تقتصر قصصها على مواضيع المال والحب والخيانة المستعارة من مجتمعات أخرى، يجري استعراض الرفاهية، وحياة البذخ والقصور التي يعيشها أبناء طبقة مترفة، بعيداً عن المآسي التي يعيشها غالبية الناس.
وحتى المسلسل البدوي الدرامي حنايا الغيث، استوحت مؤلفته وفاء بكر أحداثه، من الملحمة الشكسبيرية «عطيل»، ويروي قصة عشق أسطوري بين غيث وحنايا، استمر رغم العراقيل والحواجز التي اعترضته! وقد شهد المسلسل تجاذبات في آراء متابعيه لكونه بعيد عن البدوية وتفاصيل البيئة الصحراوية شكلاً ومضموناً!
حكايا «واقعية»
لدرجة الوجع
ما الذي يمكن أن يشد المشاهد، ويجعله لا يندم على الوقت الذي يمضيه في متابعة أحد المسلسلات، ما الذي سيشده للمتابعة، بعد كل ما رأى وعايش من أحداث مغرقة في واقعيتها.
تظهر قصص هذه المسلسلات هزيلة أمام واقعية قصص أخرى، خبرها الناس، وسمعوا بها، وعاشوا تفاصيلها، وظلّ الواقع متفوقاً على أيّة مخيّلة خصبة. أما في سورية، بعد مرور خمس سنين على الأزمة، فقد كان الواقع أكثر غنى، والناس الذين يعيشون حياتهم يوماً بيوم، يشاهدون ويختبرون ويعيشون في كل يوم جديد يمر كثيراً من المشاهد والحكايا «الواقعية» جداً لدرجة الوجع.
ومع ذلك، فإن ما تقدم لا يعدو كونه عرضاً سريعاً، لبعض ما عرضته القنوات المختلفة في رمضان هذا الموسم، ولكن مازال هناك الكثير ليقال، إذ مازال الوقت مبكراً على تناول هذه الأعمال من منظور نقدي، يستند إلى معالجة دور الدراما في الأزمة وتقديم رؤية نقدية متكاملة شاملة عنها. ربما يجب الانتظار إلى النهاية، لمعرفة ما سيقال لاحقاً، بحكم أن هذه الأعمال لم تنته بعد.