الإرهاب متعدد الوجوه..!
كيف نجحت وسائل الإعلام في اختصار صورة الإرهاب بوجهٍ عربيٍ ملتحٍ وعمامة؟ التساؤل الأهم من ذلك ربما، كيف استطاعت إقناعنا نحن، بأننا مصدر الشرور والتخلف. بحيث وقعنا أسيري الدعاية المضادة التي حِيكت ضدنا، بتنا نعتذر عما لم نفعل، كما لو أننا بذلك، نتظاهر بالموضوعية، ونزيح التهم عنا، بأن نعترف بها، ونروج لها، قبل أن يقذفها الآخرون في وجهنا.
لكن الحقيقية أن للإرهاب والتطرف اليوم وجوهٌ كثيرة، لا يكتمل المشهد دون الوقوف عندها. وجوه لنساء ورجال، كبارٌ و صغار، متدينون أو ملحدون، بدأت تطالع الرأي العام العالمي والعربي في كل مكان. وقد يعين تأمل بعض نماذجها وضع الأمور في سياقها الصحيح، وتوسيع كادر الصورة، بعيداً عن التعريف الضيّق للإرهاب، الذي تريد منا وسائل الإعلام الغربية أن نحفظه غيباً.
للإرهاب وجه حسناء عارية
منذ تأسيس وصعود الحركة الراديكالية المعروفة باسم (فيمن) أو عاريات الصدور في أوكرانيا عام 2008. اختصرت المنظمة رسالتها بالحرب ضد «النظام الأبوي ومظاهره الثلاثة المتمثلة بنظرها في استغلال النساء والدكتاتورية والدين». وبذلك تتقاطع «بمحض الصدفة» الأجندات «الجندرية» لفمين، والتي تصدّر التناقضات القائمة على الفروق بين الجنسين، مع الأجندات السياسية للدول التي تنشر الديمقراطية وتكافح الإرهاب. ومن الأمثلة على آخر أنشطة الحركة، قيام بعض عضواتها بالتظاهر (وهن عاريات الصدر بالطبع)، أمام السفارة السعودية، بينما يحملن سياطاً للاحتجاج على جلد المدون السعودي رائف بدوي، أو مهاجمة سيارة دومنيك ستراوس، المدير السابق لصندوق النقد الدولي وهو ذاهبٌ إلي المحاكمة في قضايا تتعلق بالتحرش الجنسي. بحيث لا تشذ هذه الممارسات عن سلوكيات سابقة ومشابهة للحركة.
لا يقتصر خطر الحركة النسائية المتطرفة على السلوك المستفز لأفرادها، وإهانتهن العبثية لمعتقدات الآخرين، بل يتعدى ذلك لبلورة اتجاه جديد يمهد لانتقال (فيمين) في فترات قادمة إلى النشاط المسلح من خلال العمل على تدريب أفرادها جسدياً وخلق انتماء قائم على كراهية الآخرين.
صعود النازية الجديدة
بين التخويف والتحجيم
يصعب تحديد الحجم الفعلي لحركة النازيين الجدد في ألمانيا أو تأثيرها على المجتمع. لكن المؤكد من الملاحظات التي قدمها بعض الباحثون المتخصصون، أن هذا التيار ينشط بين شرائح الشبان الصغار، وخاصة في المدن التي ترتفع فيها نسبة البطالة كمدينة درسدن. ومن أبرز الحركات اليمينية الصاعدة في ألمانيا، حركة بيغيدا (مواطنون أوروبيون ضد أسلمة الغرب) المعادية للإسلام، والتي تنال قدراً كبيراً من اهتمام وسائل الإعلام، سواء بالإيجاب أو السلب. تقول بيغيدا إنها تدافع عن المبادئ «اليهودية – المسيحية». واشتهر أعضاؤها برفعهم صوراً للمستشارة الألمانية ميركيل بعد أن رسموا لها حجاباً.
على يمين التطرف
الثقافة السائدة في الكيان عموماً هي ثقافة الانعزال والانغلاق بداعي التظلم، لتكون أحد أدوات النخب المالية «اليهودية» لإنجاز مشروعها السياسي، وكانت هذه الثقافة على الدوام راعية لنماذج أخرى من التطرف تكون حتى على يمين هذا السائد نفسه.
بعد أيامٍ من حادثة شارلي إيبدو، سرت موجة من السخرية الممزوجة بالاستغراب، بعد قيام جريدة «إسرائيلية» بتعديل صورة قادة العالم في مظاهرة «مكافحة الإرهاب» في باريس، وحذفت منها صور النساء. تلك الحادثة فتحت الباب على صورة أخرى للكيان الصهيوني، بعيدة عما يحاول الترويج له بوصفه «الدولة» المنفتحة والمتحررة بين قبائل من الهمجيين. يكفي البحث سريع عبر شبكة الإنترنت حول بعض التيارات «الإسرائيلية» حتى يصل المرء إلى نتائج تثير العجب. على سبيل المثال، يشتهر أعضاء جماعة «حريديم» المتزمتة دينياً، بقبعاتهم ومعاطفهم السوداء. وبلحاهم وجدائلهم الطويلة. تحكم هذه الجماعة قائمة من الخزعبلات والأفكار المتطرفة التي تحرّم مثلاً ارتداء ملابس تجمع بين خيوط القطن والكتان. تحرم هذه الجماعة أيضاً تحديد النسل، وتمتاز لذلك بكبر عائلاتها، ويتم الفصل بين الإناث والذكور في أعمار مبكرة. هذا ولا يتحدث أبناء هذه الجماعة «العبرية» لاعتقادهم بأنها لغة مقدسة. وعن هذه الجماعة بالتحديد خرجت الفتاوى التي تجيز قتل الأطفال غير اليهود إذا ما هددوا «بحجارتهم» حياة اليهود المقدسة.
فوكس نيوز لسان التطرف
لا يمكن المرور على أكثر ظواهر العالم الحديث تطرفاً، دون الوقوف عند الدور الذي تلعبه شبكة فوكس الأمريكية في هذا السياق. بالرغم من أن التحليل السطحي لدور الشبكة يكتفي باعتبارها الناطق باسم حزب الجمهوريين الأمريكيين. لكن الحقيقة أن دورها يتعدى ذلك، بحيث يمكن اعتبارها اليوم لسان اليمين المتطرف. تجمع فوكس نيوز بين المحاباة الواضحة لشركات المال، وبين الترويج لبعض السياسيين الأمريكيين الأكثر تطرفاً وخطراً، في مقدمتهم السيناتور جون ماكين، ومعه باقة من أعضاء الكونغرس المتطرفين الذين يتم اللجوء إليهم عند الحاجة. تستعين القناة بخبراء في الإرهاب وعرافيين يفضحون أسرار الشرق والإسلام، ويسممون عقول جمهورهم برسائل حول الخطر المحدق بأمريكا. وفوق ذلك كله، تلعب القناة دوراً خطيراً في الصراع العربي الإسرائيلي من خلال الانحياز الكامل للرواية «الإسرائيلية» والربط الممنهج بين مفهوم الإرهاب والمقاومة. وإن كانت السلوكيات السابقة ليست بالشيء الجديد بالنسبة للتاريخ المشين للشبكة، تبقى درجة التطرف التي أظهرتها في الأشهر الماضية بصورةٍ مكشوفة وصارخة مؤشراً على دخولها حقبة جديدة أكثر عنفاً، ما دفع بعض الإعلاميين الغربيين، وفي مقدمتهم مقدم البرامج الساخر راسل براند للإعلان بأن «فوكس نيوز لا تقل إرهاباً عن داعش».
لا يقتصر فهم تنامي الاتجاهات المتطرفة الصاعدة في الغرب على دراسة الأمثلة السابقة، بل لا بد من النظر أيضاً إلى الخطاب الرسمي الأوروبي والأمريكي، المناوئ بالظاهر فقط لبعض تلك الحركات. إذ كثيراً ما تنشر صور عاريات الصدور اللواتي يتعرضن للاعتقال من قبل رجال الشرطة. فيما تنال حركة بيغيدا نصيبها من الشتم في وسائل الإعلام باعتبارها حركة متطرفة تتعارض ومفهوم الفكر التعددي والمنفتح الذي يتغنى به الغرب. يمكن كذلك استذكار العبارات المخيفة التي تحدث بها الرئيس الفرنسي بعد ساعات فقط من الهجوم على شارلي إيبدو حول «ضرورة الحفاظ على وحدة التراب الفرنسي». وهي عبارات، تقرع أجراس الهلع من التقسيم والنزاعات الدينية. وبذلك يمكن القول أن الخطاب الرسمي الغربي، يلعب دوراً خطيراً في تغذية التناقضات الثانوية القائمة على الدين أو الجنس أو القوميات، سواء من خلال تظهير وتضخيم الحركات المتصارعة في الشكل فقط. أو من خلال اعتبارها جميعا حسب ذلك الخطاب ردود أفعال «مشروعة» على صعود ما يسمى بالإرهاب «الإسلامي».
هو تزويرٌ جديدٌ للحاضر، يستمر اليوم أمام أعيننا، يتم فيه حصر مفاهيم الإرهاب والتطرف والفكر التكفيري بدين أو عباءة أو لون بشرة، في تعامٍ مقصود عن وجوه الإرهاب الكثيرة التي تختفي تحت البدلات الرسمية أو الأجساد العارية والقبعات السوداء.