من يخدم الآخر أكثر..؟ الرياضة والسياسة
بسام جميدة بسام جميدة

من يخدم الآخر أكثر..؟ الرياضة والسياسة

لم تفترق السياسة عن الرياضة منذ الظهور الأول للرياضة في العالم، حيث تم استثمارها على مر العصور، كل على طريقته، فاستفاد منها الطرفان، وفي بعض الأحيان تضررا، مع أن غالبية قوانين الرياضة العالمية تحتم عدم تدخل الساسة والحكومات في الشأن الرياضي والتأثير على قراراته، ليبق لها عالمها الخاص والنزيه وفق المبادئ السامية التي تنص عليها القوانين الرياضية والمواثيق الأولمبية. ولكن كل هذا يذهب أدراج الرياح عندما تبحث ماوراء كواليس الرياضة وحتى بعض القرارات السياسية التي تخرج للعلن من أجل بعض الشؤون الرياضية، وهي في الخفاء تضمر عملاً سياسياً بحتاً يراد منه الكثير..

 

ماذا عن هذه العلاقة؟ وكيف بدأت؟ وكيف استثمرها السياسيون؟ وماذا استفادت الرياضة من هذه العلاقة؟ تعالوا نتابع:


تلميع الصورة

بدأت العلاقة منذ أول أولمبياد في العصر القديم، عندما أطلق تلك الألعاب الإمبراطور الروماني ثيودوسوس في عام 776 قبل الميلاد، كان هدفه سياسياً بالدرجة الأولى.. ويتضح ذلك من خلال المنافسات التي كان يدخلها أبطال الحروب بأجسامهم الضخمة، ويزج بها أصحاب السوابق أيضاً، وكان الغرض منها استعراض قوة الدولة حينذاك، وحتى بعد عودة الألعاب الأولمبية الحديثة في اليونان في عام 1896 استمرت هذه العلاقة، ومن أبرزها عندما حاول النازي أدولف هتلر إقحام الرياضة بالسياسة ليؤكد علو شعبه، حينما احتضنت برلين الألعاب الأولمبية كان يريد الفوز للأقوياء فقط، والذين يوافقون سياسته بطريقة عنصرية، وأنفق هتلر الملايين على تدريب الرياضيين، وخاصة "الهر فرتز" بطل المائة متر، وكان مثالاً نمطياً للعنصر الجرماني؛ بشرة بيضاء، شعر أشقر، عينان زرقاوان وأضفى "الفوهرر" أهمية خاصة لفوزه، فحضر المناسبة بنفسه ولكنه استشاط غضباً، وترك الاستاد بعد أن رأى أمريكياً أسود يفوز عليه.
أما موسوليني في إيطاليا فحاول تعزيز هيبة الدولة من خلال الرياضة وكان له ذلك بعد حصول بلادة على كأس العالم مرتين في عامي 1934 و1938، بينما أصبحت ألمانيا بطل الأولمبياد عام 1936 كرمز للتقدير ولقوة النظام الحاكم وقوة عقيدته.
وفي بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 1934 في ايطاليا، شارك موسوليني شخصياً في اختيار الحكام، وحضر جميع المباريات التي خاضها منتخب بلاده وفي هذه البطولة فاز المنتخب الإيطالي في المباراة قبل النهائية على النمسا مسقط رأس هتلر، بينما وقعت ألمانيا في الدور قبل النهائي مع النرويج، والتي احتلتها القوات الألمانية فيما بعد.
وقال جوبلز مسؤول الدعاية في النظام النازي "إن الفوز بمباراة دولية أهم من السيطرة على مدينة ما."
وكانت أبرز حالات التنافس بين القوى الدولية هي مقاطعة الولايات المتحدة ودول غربية عدة لدورة الألعاب الأولمبية بموسكو عام 1980، تحت يافطة الاحتجاج على دخول الاتحاد السوفياتي لأفغانستان، في حينه، وفي المقابل قاطعت موسكو دورة الألعاب الأولمبية في لوس أنجلوس عام 1984.
وخاضت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، حربهما الباردة في أيسلندا عام 1972 عندما التقي لاعب الشطرنج السوفيتي بوريس سباسكي ونظيره الأمريكي بوبي فيشر في مباراة شهيرة للشطرنج، والتي فقد فيها اللاعب السوفيتي لقبه العالمي.
وهناك ما يعرف باسم "حرب كرة القدم"، حيث وقعت مواجهات عسكرية بين هندوراس ضمن التصفيات المؤهلة لكأس العالم 1970 وخلفت الاشتباكات بين البلدين نحو ألفي قتيل.
وأخذت مباراة ألمانيا أمام اليونان في يورو 2012 أبعاداً سياسية واقتصادية، لذلك كانت «مباراة ثأرية»، لكن جبهات المواجهة السياسية الرياضية بين ألمانيا وغيرها من الدول لا تنتهي في هذه البطولة، فقد اقترحت برلين فرض مقاطعة سياسية لنهائيات تلك البطولة في أوكرانيا للضغط على حكومة كييف من أجل إطلاق سراح زعيمة المعارضة يوليا تيموشينكو.


قصص لاتنتهي

ليست هذه كل قصص السياسة مع الرياضة ومن خلال سبر كل الحكايا، يتضح أن السياسة هي الدافع الرئيس للرياضة ولكرة القدم، وكل دولة تتقدم بملفها للترشح لاحتضان أي بطولة، تقدم اتجاهها السياسي، وكلنا يذكر كيفية الترشح لاستضافة أي من مونديالات كرة القدم وكيف يكون الحشد السياسي لها من رؤساء الدول وكيف تم منح قطر استضافة مونديال 2020 وقبلها الكثير من المونديالات، والقصص كثيرة..
ولم تكن الدول العربية بمنأى عن المد السياسي صوب الرياضة حيث شهدت ساحات الرياضة دخول عدد من السياسيين  أجواء الرياضة من باب كرة القدم مثل الساعدي القذافي وغالبية أمراء الخليج، فيما تستفيد دول أخرى من شعبية اللعبة لتُبقي الرياضة (مورفين الشعوب) وملهاة فعالة لتحييد الجماهير عن أمور كثيرة في الحياة الاقتصادية والسياسية للبلاد، وحتى للتغطية على حالات الفساد والحروب الغامضة بين الدول، وأقربها للذاكرة ماحدث بين مصر والجزائر منذ سنوات قريبة على خلفية التأهل للمونديال وكيف كان الحشد السياسي فيها ومانتج عنه من شد بين البلدين..
الوقائع لاتنتهي هنا ولكن ما أحب التأكيد عليه أن الرياضة والسياسة لم تكن فقط علاقة حرب بينهما بل كانت وسيلة تقارب بين إنجلترا والأرجنتين إبان حرب جزر فوكلاند في كأس العالم العام 1986، كما قرّبت بين الولايات المتحدة وإيران العام 2002  وغيرها من الدول المتنازعة، والحضور المكثف للساسة في المنافسات الرياضية يؤكد المكانة السياسية التي تحظى بها كرة القدم. ودور الرموز الرياضية في تسويق هذا الزعيم أو ذاك.


بالمحصلة

لقد ظل الاعتقاد الشائع عن اعتماد «النظام الرأسمالي» على لعبة كرة القدم من أجل صرف أنظار الناس عن هموم الواقع الاجتماعي، أساس التفكير في العلاقة بين كرة القدم والسياسة، وهو ما أكده تيم إيغلتون، أحد المفكرين اليساريين الماركسيين في بريطانيا بقوله: «لو أن كل مركز أبحاث خرج بخطة لصرف أنظار الشعب عن الظلم السياسي وتعويضه عن حياة الأشغال الشاقة التي يعيشها، فإن الحل لدى كل من هذه المراكز لن يخرج عن كونه واحداً: كرة القدم».
من باب خطف الأضواء والمحافظة على عرش النجومية، يتعاطى كثير من السياسيين مع كرة القدم، ليس فقط باعتبارها اللعبة الشعبية الأولى في العالم، بل باعتبارها فرصة ذهبية للترويج السياسي واكتساب محبة الجماهير، ومن البوابة نفسها، وبطريقة عكسية، يتكئ بعض الرياضيين على شهرتهم كنجوم سابقين لكرة القدم، ويتخذون منها طريقاً للعبور إلى ساحة البرلمان وعالم السياسة، في محاولة للاحتفاظ بنجوميتهم، في مواقع بديلة.
ولأن الرياضة تصلح ما تفسده السياسة غالباً، ولأن كرة القدم لم تعد مجرد لعبة رياضية، فالبعض يعتبرها ساحة حية لممارسة الديمقراطية والعمل السياسي  وتلميع صور الأشخاص بطريقة شيقة.
والسياسي يعتبر وجوده وسط جماهير كرة القدم بمثابة اختبار لشعبيته وتوسيع لها في الوقت نفسه. كما أنه يدرك أن هذا الوجود يضيف أبعاداً حيوية وواقعية إلى صورته كزعيم سياسي.
يعتقد أن للرياضة دوراً كبيراً في تحريك الخيارات السياسية لأنها تجسد نبض الشارع وتحرك الطبقة الأكثر حيوية في المجتمع إلا وهي الشباب.
فما توفره كرة القدم للسياسي لا يمكن أن توفره له أي أداة أخرى لتلميع صورته والتسويق له في مختلف المحافل، كما أنها وسيلة للدول للترويج لها عندما يرتفع علمها عالياً في المحافل الدولية والقارية وتفعل ما تعجز عنه بقية القطاعات الحكومية من الدعاية للبلد، لذلك فالدول لاتبخس الرياضة حقها في الصرف والتمويل والعناية.
ويبقى المجال مفتوحا للتساؤل من يخدم الآخر أكثر هل السياسة هي التي تخدم الرياضة أم العكس..؟ 
ويبقى الجواب أكثر أتساعاً، ويبقي الساسة والدول على المحك في كيفية استغلال  الرياضة لخدمة الأهداف التي يبتغيها كل طرف من الطرف الثاني، فالكثير من البطولات والأندية والرياضات استفادت من دخول رجال السياسة بأموالهم إليها، وانتعشت صناديق اتحادات دولية تنادي بعدم تدخل دمج السياسة بالرياضة، ومع ذلك فهي أكثر المستفيدين من السياسيين.