كويلابايون ما زالت تغني
«خوليو كاراسكو، كارلوس كيسادا، هيرنان غوميز، رودولفو برادا..» هذه الأسماء معروفة منذ حوالي أربعين عاماً في كل حي وفي كل قرية وبلدة ومدينة تشيلية ، فقد حفظهم الفقراء عن ظهر قلب، كما حفظوا أغانيهم وخبؤوا كاسيتاتهم عن أعين الديكتاتورية العسكرية طوال عقدين من الزمان، إنهم أعضاء فرقة كويلابايون «اللحى الثلاث» الموسيقية.
كانوا ثلة من طلاب الجامعات. تعلموا العزف على غيتار معلمهم الموسيقي الكبير فيكتور غارا، وأسسوا فرقة موسيقية خاصة بهم عام 1965، وقدموا عروضاً صغيرة في النوادي الجامعية وفي التلال الصخرية لسانتياغو وفالباريسو. كان تأثرهم بالأفكار الثورية التي كانت تلهب قلوب الشبيبة الطلابية آنذاك سبباً في اختيارهم وتقديمهم لنماذج من الأغنية الثورية الشعبية، فكانت أولى أعمالهم المشهورة هي أغنية سانتا ماريا، إذ حققت رواجاً كبيراً بسبب المناخ السياسي الذي كانت تعيشه تشيلي قبيل الثورة، حيث أوصلت حكومة الاتحاد الشعبي إلى السلطة.
استمرت الفرقة، طوال عمر الثورة التشيلية، بتقديم عروضها في الأحياء الشعبية وفي المصانع المؤممة وفي المزارع والجامعات، وكانت تلك اللحظات التي تبعت انقلاب بينوشيه، بداية النفير العام لدى الفرقة الموسيقية، حيث جرى اغتيال معلمهم المغني فيكتور غارا وتقطيع أصابعه وهو يغني أغنية ثورية شعبية في وجه بينوشيه في الملعب، المكان الذي جمع فيه المعتقلون السياسيون لإعدامهم.
أصبحت الفرقة الموسيقية وأغانيها التي تبث في كل مكان «خطراً كبيراً» على بينوشيه ونظامه، فأخذ يلاحقها في كل مكان، لكن الفقراء الذين غنت لهم كويلابايون كانوا أوفياء لموسيقييهم، فخبؤوهم في البيوت والجرود الجبلية وأصبحت أغنيتهم المشهورة «الشعب الموحد لم يهزم أبداً» شعاراً سياسياً للنضال ضد الديكتاتورية.
ومن المنفى، صدحت حناجرهم بأغاني معلمهم الشهيد فيكتور غارا طوال عدة سنوات، وحفظ مناضلو العمل السري والمعتقلون السياسيون وفصائل الأنصار في الغابات والجبال ورددوا أغنية «فينسيريموس» أي حرروها، التي عبرت عن حالهم.
لم ترجع فرقة كويلابايون إلى تشيلي إلا بعد سقوط نظام بينوشيه، وكانوا في سنوات المنفى ملاحقين من المخبرين والمرتزقة صائدي الجوائز، ولكنهم عادوا واستقبلهم شعبهم استقبالاً يليق بالمناضلين. وعرفتهم الأجيال المتعاقبة في تشيلي إلى يومنا.
كانت الأعمال الشعرية لبابلو نيرودا واللوحات الفنية لروبيرتو ماتا والمشاهد السينمائية لباتريسيو غوسمان وألحان باتريسيو وانغ تعبيراً ثقافياً عن الثورة الاشتراكية في تشيلي، وكذلك الأغنية الثورية الشعبية لكويلابايون وفيكتور غارا التي غنت لآلام الشعب ونضاله اليومي.