«بصراحة.. الحقيقة المرة»
بهذه الكلمات، افتتحت صحيفة «تايمز – إسرائيل» إحدى مقالاتها منذ يومين، وتابعت تفتخر بنيّة مجمع الأفلام الأكبر والأشهر في العالم لتصوير فيلم خاص على الأراضي الإسرائيلية، وأعلنت بأن الإسرائيليين ومن يدعمهم حول العالم قد انتظروا طويلاً لكي ينهض أحد ما ويتكلم عنهم، وهاهي كبريات شركات الإنتاج الهوليودية قد أعطت الضوء الأخضر لتصوير فيلم يدعي «القدس 67» ،أو كما يقول الإعلان: «أورشليم 67»،لتبدأ موجة كاسحة من الترحيب والثناء داخل الكيان وخارجه، وليأتي هذا الفيلم في أحرج الأوقات بالنسبة لصورة الإسرائيلي حول العالم، إنه محاولة جديدة لتشويه الحقائق عن طريق دعوة الجميع لمشاهدة قصة حرب الأيام الستة في العام 1967، لكن من وجهة نظر الإسرائيليين وبمباركة ودعم فني ومادي أمريكي هذه المرة!
لقد قامت صناعة الأفلام الهوليودية بصناعة آلاف الأفلام التاريخية على مر السنين، لكن مصداقية أي منها تبقى لوقت طويل حديث المؤرخين ومحط نقاشاتهم، ولطالما عمل التمويل الملوث بالمصالح على حرف الحقائق وتشويه الأحداث، ما عدا بعض الأفلام الصادقة التي لم تلق بالطبع التمويل الكافي للانتشار والتوزيع حول العالم، لذا لن يكون هذا الفيلم استثناءً لتلك القاعدة مع سيطرة الكثير من الداعمين والمتعاطفين للكيان الصهيوني على مفاصل الإنتاج السينمائي الأمريكي الأضخم في العالم، وسيكون هذا الفيلم شريطاً دعائياً مشوهاً للتاريخ من دون شك، على الرغم من إنكار كل من منتجي الفيلم «جوزف شيك» و«جايكوب سيبتيمس» لذلك مراراً أمام الصحفيين..
حرب الأيام الستة
دعنا نستمع لما يريدون قوله قبل أن تتدخل حقائق التاريخ لتحسم الجدال، فالفيلم يستند إلى كتاب «معركة أورشليم: غزو عفوي» للكاتب «أبراهام رابينوفيتش»، ويتحدث عما جرى فيما سمي لاحقاً «حرب الأيام الستة» على الجبهات المصرية والأردنية والسورية مع الكيان الصهيوني الفتي في تلك الأيام.
منذ البداية ادعت الماكينة الإعلامية لشركة الإنتاج وعلى أكثر من شاشة بأن تلك الدول الثلاث قد خططت «لدفع إسرائيل إلى البحر» قبل بداية تلك الحرب بشهور، فكان لابد من حماية «دولة إسرائيل» من الفناء والدمار، و«اضطرت» القيادات العسكرية آنذاك إلى اتخاذ عمل سريع وخاطف لحمايتها من ذلك المصير المحتوم، فكانت تلك الحرب « المقصودة غير » التي رسمت العديد من الخطوط الحدودية «بيننا وبينهم» وأسست لحالة من «التعايش القلق» بين العرب واليهود في مدينة القدس التي يتحدث عنها الفيلم بشيء من التفصيل من وجهة نظر سكانها «العاديين» اليهود.
القصة الكاذبة..
يريد كل من «جوزف» و«جايكوب» أن يتحدثوا عن القصة التي «لم يرد أحد الحديث عنها» ، لكن من وجهة نظر «تعمل على توضيح ما جرى»، وأشادوا كثيراً بالدعم الأمريكي للمراحل الأولية من إنجاز هذا العمل من الآن بوجود «جالية أمريكية كبيرة متعاطفة» مع القضايا اليهودية!.
على كل حال، ربما لم يسمع كل من المنتجين ما قاله الجانب الصهيوني قبل العربي عن هذه الحرب بالذات، وبالتأكيد لن يقوموا بتضمين أقوال كبار قادة الحرب آنذاك عن تفاصيل تلك الأيام القصيرة وماتبعها، وبالأخص ما ذكره الجنرال «ماتاتياهو بيليد» رئيس هيئة العمليات اللوجستية في الجيش الإسرائيلي آنذاك، وعضو لجنة تلك الحرب المكونة من 12 ضابطاً من ضباط وزارة الحرب في تلك الفترة، حيث قال في العام 1972: «إن فرضية الفناء والدمار لاسرائيل والتي انتشرت أيام الحرب، والتي تحدثت عن صراع إسرائيلي للبقاء أمام قوات العرب، لم تكن سوى خدعة أردناها أن تنتشر وتنمو»، وكلام الجنرال موثق في صحف تلك الفترة بالتأكيد، بالإضافة إلى ما قاله مستشار وزير الحرب «مرداخي بينتوف» في العام 1971 والموثق في صحيفة «هاميشمار» الإسرائيلية: «إن كامل القصة حول خطر الفناء والزوال ما هو إلا بدعة اختر عناها لتبرير امتلاكنا لأراضٍ جديدة»، وهذا بالضبط ما حدث، هاجمت إسرائيل كل من سورية ومصر والأردن، وقتلت بدم بارد 3000 جندي مصري و 300 سوري من سكان مرتفعات الجولان المحتل في اليوم الأول، ثم تلاها تهجير أكثر من 30 ألف فلسطيني إلى الضفة الشرقية من نهر الأردن وسورية ولبنان.
بدأت مصر بتعبئة قواتها بعد هذا الهجوم الإسرائيلي التصعيدي، وأطلقت منظمة التحرير الفلسطينية عملياتها ضد الصهاينة، واتجهت إسرائيل عندها لاحتلال الصفة الغربية واشتبكت مع سلاح الجو السوري في عدة معارك، لكن الأيام الستة انتهت بسيطرة إسرائيل على مرتفعات الجولان وشبه جزيرة سيناء والضفة الغربية في معارك خاطفة، راسمة بذلك حدوداً جديدة مازالت تذكر إلى اليوم في كل جلسة تفاوض!.
مجزرة جنين..
تحدث «جوزف» عن قصة أحد أصدقائه من «الناس العاديين» ممن شاركوا في هذه الحرب «العفوية»، لقد ترك صديقه عمله اليومي وذهب للقتال في مخيم جنين في العام 2002،لقد قاتل «ببسالة»، ثم عاد إلى عمله خلال يومين!!
وهنا أبدى «جوزف» إعجابه بهذا «البطل» الذي لم يدعه أحد للقتال، «لقد قام بالانطلاق مشياً إلى أقرب قاعدة عسكرية متطوعاً»، لكن مهلاً.. إنه يتحدث عن جنين الفلسطينية، وفي العام 2002، هل تذكرون بالفعل ما حدث وقتها، هل تذكرون كلمة «مجرزة» التي ارتبطت باسم ذلك المخيم الصغير أمام العالم أجمع؟
سيجلس العالم الآن ليستمع إلى «وجهة النظر» الإسرائيلية حول قصة مشابهة حدثت منذ حوالي نصف قرن، وسيصغون إلى وقاحة شخصيات الفيلم وهي تتحدث عن «الحقيقة المرة» بكل حيادية ومن دون مواربة!!.