«بحلم»..
«بحلم بيوم أشوف الدروب مفيهاش دموع أحزان .. بحلم بيوم أشوف بكرة بيزرع ضحكة للإنسان.. بحلم بيوم تشوف عنيا فرحة قلوب الصابرين.. و أشوف الحيارى في طريق الأمل ماشيين.. وأشوف اللي هاجر راجع هنا لمكانه.. وأشوف اللي يائس جفت دموع أحزانه.. أحلم بيوم أشوف الدنيا نور على كل البشر.. وأشوف سما م يغبشي عنها قمر..»
إنها الكلمات الجميلة لأغنية «بحلم» الشهيرة للعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، لكن قلة منا قد سمعوا تلك الكلمات من فم الفنان أحمد زكي، وهو يقدم الأغنية ذاتها للجمهور في تسجيل قديم، يبدو الصوت رصيناً وحالماً بالفعل وهو يتلاعب بمخيلة السامعين ويشدهم إلى عالم تزينه أمنيات كل منهم كل صباح، بدا وكأن صوت «أحمد زكي» هو صوت الملايين من البسطاء في كل مكان، وها هو التسجيل يعود اليوم إلى الواجهة في وقت يبتغي فيه الجميع تحويل تلك الأحلام إلى حقيقة..
«الستر والرزق الحلال»..
تناقلت الأوساط الفنية العربية منذ بضعة أيام الفيلم التسجيلي الجديد «بحلم» كآخر أعمال المخرجة المصرية «ساندرا نشأت»، كان توقيت الإصدار مميزاً ومقصوداً، الانتخابات المصرية الرئاسية قد بدأت، والجميع يترقب نتائجها في بلاد عانت من الكثير الاضطرابات في الآونة الأخيرة، وبدا مستقبلها في كثير من الأوقات موحشاُ، ليأتي هذا الفيلم كعنوان عريض للمرحلة القادمة، الأمل بمستقبل قد تتحقق فيه الأحلام بعد أن تعب الجميع من الانتظار.
تجولت المخرجة بكاميرتها، بين نجوع وحواري و«غيطان» مصر، والتقطت بعدستها أحلام البسطاء، بـ«الستر والرزق الحلال»، في مشاهد طبيعية من واقع مواطن يعيش اليوم بيومه، وامرأة بسيطة تحلم بزواج ابنتها، ولا تعلق عليها سوى بنغمات وألحان مصرية، كأغنية العندليب تلك، يبدو أن الجميع يحلم بالمعيشة الآمنة والأمل فى رئيس يحقق الاستقرار لشعبه ويستطيع توفير فرص العمل للشباب الضائع، لكن بقي للسخرية المرة مكان في مشاهد الفيلم، فيرد سائق الميكروباص على الأسئلة المفاجئة بخفة دم: «بحلم وأنا نايم»، يقاطعها البعض: «دي بلد حد يحلم فيها؟!».
«رئيس نضيف ميفرقش بين الناس»..
توقفت «ساندرا» بين الطوابير، اقتربت من الجميع لتسألهم عن أحلامهم، كانت كلمة «الستر» جواب الأغلبية، سألت عسكري إشارة المرور نفس السؤال، يرد: «بحلم أطلع ضابط»، بينما كان جواب المئات من المنتظرين على طرفي الطريق: «ركوبة كويسة من غير بهدلة»، كان حلم بائع «غزل البنات» على الكورنيش هو «الزبائن»،«عايزين نتجوز» كان حلم أغلبية الشباب بالإضافة للحلم بوظيفة، والعمل بمؤهلاتهم وبدون وساطة،، يعدل العجوز الصعيدي من جلسته ويرد على السؤال:«رئيس نضيف ميفرقش بين الناس يكون تمام التمام».
استعرضت المخرجة الأحلام البريئة في عيون الأطفال، والسؤال يتكرر، والإجابة: بحلم أبقى طيار، ضابط، مهندس، دكتور، ولكن أكثرهم يحلموا بارتداء البدلة «الميري»، تمنوا العمل كضباط بالشرطة للعمل على إعادة الأمن اليها، وهنا علقت المخرجة: بمقطع من أغنية: «يا عسكري يا أبو بندقية».
لقد صرحت ساندرا في أكثر من مناسبة أن الأحلام التي رصدتها في الفيلم دفعتها للبكاء، بعد أن اكتشفت أن كل أحلام الناس أن تعيش «حياه مستوره»، وأضافت أنها كانت تريد أن تطرح الفيلم بعد الانتخابات الرئاسية، ولكنها وجدت أن فترة الصمت الانتخابي هي أفضل موسم للفيلم، فقررت طرحه عبر كل الفضائيات، مشددة على أنه لا يركز علي التصويت لمرشح، وإنما هو رسالة للرئيس القادم بأن أولوياتك هي تحقيق أحلام هؤلاء الفقراء.
الطوابير تتشابه.. وكذلك الأحلام
ليس من الغريب أن تختلف الأحلام بين مكان وآخر، حيث يبدو أن الفقر والحرمان أصبح القاسم المشترك بين الكثير من شعوب المنطقة، أخذت حروب الحاقدين ما تبقى من قوت الناس، وتحولت الأجساد الجائعة والقلوب المنتظرة إلى أرقام تشتت في الداخل والخارج على الأرصفة وتحت رقع الخيام، هل سيختلف الأمر كثيراً لو سألنا هذا العجوز الذي ينتظر «السيرفيس» مع العشرات عن حلمه؟! هل سيختلف جواب بائعة الشاي المصرية عن جواب بائع «البليلة» هنا؟! مالفرق بين طابور «العيش» وطابور «المازوت»؟! ما زال لون الدم واحد ورائحة الرصاص يميزها الجميع في كل مكان، ما زالت السيارات الفارهة تتبختر وهي تطلق نفيرها لتبعد الأطفال وأياديهم المتسخة عن شبابيكها السوداء، ويبدو أن الشيء الوحيد الذي يمتلكه أولئك البسطاء هو تلك الأحلام التي ما زالت قيد الانتظار!