بين قوسين: محمود درويش يتفقد الكمنجات
لا أعلم ماذا يفعل محمود درويش الآن. أربع سنوات من الغياب كفيلة بانجاز ثلاث قصائد طويلة على الأقل، وربما أنجز ديواناً كاملاً. على الأرجح فإنه غارق في تصحيح المسودات، وترميم الإيقاع، وسط صخب الموتى، والإنصات إلى تأثير «النهوند» على البروفة الأخيرة للنص الأخير.
ولكن ماذا يفعل الشاعر المحزون في غرفة الموسيقا وغبار الكمنجات بغياب العازفين؟ أسمع رنين النرد فوق الرخام. هل وجد لاعباً بمهارته في تحطيم البيادق؟ ماذا لو أنه لجأ إلى كتابة» الهايكو» في فسحته الجديدة؟ أظنُّ بأن الضربات السريعة الخاطفة في كتابة نباتات الجليل تناسبه أكثر في اختبار أنواع الزهور البريّة. سيحاور إدوارد سعيد في هذا الشأن. على الأرجح أيضاً، سيهزّ الأخير رأسه موافقاً بحماسة، وهو ينقر بأصابعه على الطاولة مقارناً بين ضربات السونيتة وضربات الهايكو. في عزلته الطويلة سوف يعيد كتابة» يوميات الحزن العادي»، وسيكتشف مرّة أخرى بأن « الطريق إلى البيت أجمل من البيت»، لكنه، في المقابل، سيعلّم الموتى، أهمية « أثر الفراشة» في استعمال المجاز. كان يوم 9أغسطس طويلاً ومضجراً ومربكاً. كيف سيغيّر صاحب « لماذا تركت الحصان وحيداً» عاداته اليومية، في غرفة ضيّقة بلا ستائر، برفوف مكتبة فارغة، تخلو من ديوان «المتنبي»، وأناشيد الميثيولوجيا الكنعانية، وموسيقا موزارت؟ لاشك بأنه سيودّع التراجيديا إلى الأبد» علينا أن نتفهّم أسباب التراجيديا لا تبريرها» يقول.، وسيكتشف عن كثب» إيثاكا الأنقاض» من دون إبحار. هنا لا يحتاج إلى كتابة « جدارية» أخرى، فقد أنجزها قبل غيابه بقليل. سيذهب إلى شؤون عاطفية و»غراميات مرحة»، و» ورد أكثر»، ونساء لم يتسنَّ له الكتابة عنهنَّ، في غمرة انشغاله بنتائج « عملية القلب المفتوح». هل انتبه الأطباء حينذاك إلى أسراره التي لم يقلها لأحد؟ لو لم يكن البريد إلى جنّة محمود درويش معطّلاً، لكنّا إزاء مجازٍ مختلف، و» طباق» آخر، سيعيننا على مقاومة العطب والألم والندم. مقعده شاغر في الحديقة، فيما فلسطين تبتعد أكثر بغيابه. أخشى أن يبتلع البلدوزر الإسرائيلي قبره أيضاً، في بلاد لم تعد لأهلها.
كنتُ أرغب معرفة رأيه في «الربيع العربي»، لكن انفجار قذيفة في الجوار، عطّل الفكرة.