الحرب.. والشوكولا
تجلس امرأة سويسرية الجنسية صباحاً في منزلها المطل على بحيرة جنيف في مدينة «السلام» العالمي، تحتسي قهوة الصباح مع الشوكولا السويسرية الشهيرة، تضع ساعتها ذات المحرك الأصلي من بلد المنشأ، تقرأ صحيفة الصباح: فتاة تحاول الانتحار!! ».
تفكر هذا ليس بالأمر الجديد في روتين هذا البلد.. حادثة خطف في مدينة لوغانو.. شتاء قارس على العالم هذا العام ... اجتماعات مكثفة حول ضرورة حل سياسي للأزمة السورية في جنيف..
تركب دراجتها وتخرج إلى العمل متنقلةً بين أزقة هذه المدينة المستفزة بهدوئها.. تقلب أفكارها مستمتعة برياح جبال الألب الباردة المنذرة بشتاء قارس كما قيل في الجريدة. تلعب لعبة تحطيم أوراق الخريف لتستمتع بصوت انكسارها، جلّ ما يشغلها اليوم هو أين ستقضي عطلة الميلاد ومع من؟ ويرتسم في ذاكرتها خبر قد مرّ في جريدة الصباح عن مؤتمر لحل الأزمة السورية في جنيف.
هي بعيدة كل البعد عن سورية وواقعها، هي لا تعرف ولا تستطيع أن تقدر معنى الشتاء في سورية.. لن تعلم أو تتخيل ما هول أن تودع منزلك على أمل العودة اليوم، وغداً، وبعد غد.. ما معنى أن تتغير معالم جدرانك، وأن تبكي ذكرياتك وأنت تسمع صوت تكسير الزجاج والرماد تحت أقدام بيتك المهدم، لن تتخيل لعبتنا اليومية مع الموت..
السوريون وإن كان لهم موعد في جنيف إلا أنهم لايلعبون «لعبة» أوراق الخريف، كما تفعل تلك السيدة.. وخريفهم بات يتسلق الجدران والأرواح والوجوه، تساقطت أوراق الحياة تباعاً على هذه الجغرافيا، وهم يحاولون لجم هذه الرياح الصفراء التي تحاول أن تودي بما تبقى من شجر.
لا يخطر في بال هذه المرأة السويسرية أن اسم مدينتها الوادعة يتردد اليوم على ألسنة السوريين مع كلمات مثل «تفجير وخطف وقتل..» في النشرات اليومية الإخبارية، وأنها أصبحت نغمة يطرب لها السوريون، وأملاً قد يكون ظاهراً أو مبطناً حيناً، أو كما تعود السوريون تصبح مادة دسمة للهو والضحك على صفحات التواصل الاجتماعي أحياناً أخرى..
سنذهب إلى جنيف، لا لنتلذذ بالشوكولا السويسرية المشهورة أو نلبس الساعات ذات المحرك الأفخم، أو لنستمتع بجمال جبال الألب وهدوء هذه المدينة، تلك لكم يا من تلعبون لعبة أوراق الخريف.. نحن سنذهب حاملين خلافاتنا وصراعاتنا ودمائنا، لقد جاء الشرق المتعب بأزماته إلى مدينة السلام الملفق، السلام الذي رسّم لهذه المدينة دون أن تدفع دماء أبنائها ثمناً لتكون ملتقى المال باسم السلام، في الوقت الذي رسم لشرقنا أن يكون ساحة الصراع وتقاسم الحصص.
لنا ما نريد من جنيف، وللآخرين ما يريدون..
ولن يضبط أحد لنا مستقبلنا، أو يسحرنا بالملذات، سيكسر اليوم السوريون الصمت الكاذب، وهم يحلمون أن ينقذوا بلادهم.. و يلعبوا في يوم من الأيام لعبة الاستمتاع بصوت تكسير أوراق الخريف على ضفاف نهر بردى والغناء على ضفافه.. «عالصالحية ياصالحة