كأنّهم ليسوا جميعاً قتَلَتَنا...
«كتبتَ عن المأساة السورية موجّهاً إصبع الاتهام إلى الغرب والرجعيّة العربيّة، والجماعات المتطرّفة التي لا تحمل الخير لهذا البلد المنكوب. وفي هذا الشقّ أنا معك تماماً. لكنّك لم تذكر شيئاً عن وحشيّة النظام، إلخ». يخيّل للمرء دائماً أنّه مطالب ببراءة ذمّة. عليه أن يعتذر عن خياراته الممانعة، ويبرّر مواقفه المعادية للتيوقراطيّة، والعصبيّات الدينيّة على أنواعها، والوصاية الاستعماريّة التي تلوّح لنا بسراب التقدّم والحريّة لتُحكم علينا الخناق.
بات على المرء حين يقرأ الأزمة السوريّة من زاوية المصلحة القوميّة، أن يؤكّد أنّه لا يفعل على حساب الشعب السوري الذبيح. كأنّهم ليسوا جميعاً قتلتنا بالنسبة نفسها. وكأننا مدعوون إلى المفاضلة بين جلاد وآخر، بين قاتل وآخر، بين استبداد قائم وآخر أسوأ حكماً ينتظرنا آخر النفق.
هذه الثنائيّة بحد ذاتها إرهاب فكري. هناك إرهاب عفوي يمارسه المصابون بعدوى السذاجة الثوريّة. وهناك إرهاب مقصود يمارسه المرتزقة.
معظم هؤلاء «الثوريين» يطالب بالحريّة في مكان، ويغضّ الطرف عنها في أمكنة أخرى. الذين يعطونك اليوم دروساً في الثورة، كانوا بالأمس فقط يغلقون أفواههم، وكثيرون بينهم تعايشوا مع (أو اعتاشوا على) نظام يشبهونه في وعيهم الأحادي والإقصائي… نظام ليس سوى أحد تجليات البنية الاستبداديّة العربيّة التي يتساوى تحت رايتها جميع حكّامنا. معذرة، لكنّنا اليوم نواجه كابوساً أعظم هو الهيمنة الغربية والمنطق الصهيوني، وتفشّي الأيديولوجيّات القروسطيّة، وانفلات الأصوليّات والعصبيّات، ومخاطر التفكك والتشرذم، وحروب أهليّة بلا قرار.
ليس في هذا التوصيف أي تبرير لنظام هو أصل المشكلة. لكن ما هي البدائل؟ حريّة الشعب السوري شطبت من المعادلة على أرض الواقع للأسف، وقوى التغيير التي كانت تطالب بها في حاجة إلى إعادة تأهيل. فهل الراعي الغربي والسبونسور الوهّابي هما ضمانة الديمقراطيّة؟ هل القذائف الأميركيّة، والسعدنات الفرنسيّة، والتعاطف التركي، والدعم السعودي بعد القطري، واللحى الظلاميّة والتكفيريّة، ستحمل الحريّة لسوريا؟
المصدر: الاخبار
العدد ٢٠٩٥ ــــــ ٤ أيلول