لماذا لا تنفجر أدمغتنا عندما نشاهد فيلماً؟
ما يسلمه نظامنا البصري لنا هو في الواقع صور مجتزئة
تعريب: عروة درويش تعريب: عروة درويش

لماذا لا تنفجر أدمغتنا عندما نشاهد فيلماً؟

افرض بأنّك جالس في المنزل على أريكتك بسلام مع كلبك، ثمّ فجأة تحوّل شكل كلبك إلى صحن معكرونة، ثمّ تغيّرت صورة الأريكة أيضاً إلى شيء آخر. افرض بأنّ كلّ شيء حولك تتغيّر صورته باستمرار. لقد بدأت هذه الأشياء بالحدوث بشكل حرفي في بداية القرن العشرين. بدأ الأمر يحدث لآلاف الأشخاص في البدء، ثمّ للملايين حول العالم.

إنّها الصور المركبة وراء بعضها بشكل مستمر هي التي تصنع الفلم السينمائي.
لنأخذ بالاعتبار أنّ نظامنا البصري قد تطوّر عبر آلاف ملايين السنين، بينما لم تظهر الأفلام إلّا قبل قرن. يمكن للأفلام المعاصرة أن تحوي على سلسلة طويلة من الصور التي تتغيّر كلّ ثانية، ورغم ذلك يبقى الحضور قادرين على جمعها مع بعضها البعض بدون أدنى محاولة.

ما الذي يجعل ذلك ممكناً؟
السبب الأول لذلك هو أنّنا نرمش. نحن نرمش كلّ ثانيتين، وهذا يجعلنا عميان لأجزاء من الثانية.
كما أنّ أعيننا تقوم بحركة اهتزازية مرتين أو ثلاثة مرّات في الثانية، وتدعى "حركة العين Saccade". وتستغرق كلّ حركة منفردة أقل من عشر جزء من الثانية. إنّ لدى دماغنا آلية أنيقة تطفئ أيّ تحصيل أثناء "حركة العين"، بحيث نتجاهل أيّ معلومات "سيئة" تصلنا عندما تهتز مقلتنا.
بين الرمش وحركة العين، نحن فعلياً عميان حوالي ثلث الوقت الذي نكون فيه مستيقظين في حياتنا. أكثر من ذلك، إنّ عيوننا تسجّل أحداث المحيط بشكل أقل بكثير ممّا نعتقد.
نأخذ معظم معلوماتنا البصرية من المحيط المركزي عالي الدقة في مجال بصرنا. يمكنك تحديد هذا المحيط إن قمت بضمّ إبهاميك إلى جانب بعضهما وأبعدتهما عن عينيك على طول ذراعك، فإنّ المساحة التي تغطيهما هي المركز عالي الدقة في مجالنا البصري. إن جربتها فستتمكن من رؤية أصابعك بشكل دقيق وتفصيلي، بينما ستنتبه إلى كون الأشياء خارج هذه المساحة المحيطية غبشة.
رغم اعتقادنا بأننا نحصل على عرضٍ مستمر للتفاصيل البصرية لعالمنا، فإنّ ما يسلمه نظامنا البصري لنا هو في الواقع صور مجتزئة. يعمل دماغنا لملء الهوّة التي تواجهنا بشكل مذهل، ممّا قد يؤدي إلى أخطاء في الافتراضات والذاكرة.
قام اثنان من طلّاب جامعة كورنيل في عام 1997 بإنتاج فلم قصير يتم فيه تغيير الأشياء الموجودة فيه كلّ لقطة. غفل المشاهدون عن كلّ التغييرات. يمكن رؤية حدوث ذلك حتّى في أفلام هوليود ذات الميزانية الضخمة، حيث تتم إعادة تصوير المشاهد مع تبديلات في المحيط لا يلاحظها المشاهدون.
إننا نقوم بشكل مستمر بنسج اللقطات مع بعضها البعض من أجل بناء رؤية متصلة للعالم. يتمّ الارتقاء بنظامنا البصري ليلخص المعلومات المهمّة لنا كي نستوعب المعلومات المعروضة أمامنا. فإن كان المشهد الأخير الذي شاهدناه غير متسق مع المشهد الحالي، يميل دماغنا لجعلنا نتلاءم مع ما نراه في الوقت الحالي. هذا أمر مفيد تطورياً، أليس كذلك؟
إن نازعت ذاكرتك ما تراه مقلتك في الوقت الحالي، فسوف تميل احتمالاتك لكون ذاكرتك هي المخطئة.
هذا هو سبب عدم انفجار أدمغتنا عندما نشاهد الأفلام. ليس الأمر أنّ دماغنا قد تطوّر بيولوجياً كي يعالج الأفلام، بل إنّ الأفلام هي التي تعمل بطريقة تستغل فيها الطريقة التي يعمل فيها نظامنا البصري. حتّى أنّ بعض منتجي الأفلام يقومون بالعبث بهذه الآلية في دماغنا.
ربّما سمع البعض منكم عن حلقة مسلسل بوكيمون عام 1997، التي أدّت إلى الكثير من التشنجات المرضية عند عرضها لأوّل مرّة في اليابان. لقد كانت تغيّرات الألوان والأضواء الشديدة والمستمرة غير معتادة لأدمغتنا بحيث يمكنها التعامل معها بشكل طبيعي.
أو ربّما تعرضتم للغثيان عند مشاهدتكم فلماً ثلاثي الأبعاد عن الفضاء الخارجي، حيث تنتج مشاهد هذه الأفلام نزاعاً بين عينيك التي تخبر دماغك بأنّك تتحرك، بينما تخبر أذنك الداخلية دماغك بأنّك ثابت في مكانك.
عندما تتم صناعة المشاهد بحيث تلائم دماغنا، فإنّها تكون غير مرئية. ولكن هناك أفلام يتم فيها محاكاة نظامك البصري للفت نظرك إلى شيء معين في المشهد. وأحياناً يتم ذلك من أجل العبث بعقلك وحسب.

فيلم المقال