هنالك «غربي» يبتسم.. اضغطوا لايك!
ميسان سلمان ميسان سلمان

هنالك «غربي» يبتسم.. اضغطوا لايك!

تنتشر بين الحين والآخر، على وسائل التواصل الاجتماعي، أخبار وفيديوهات عن «نجاحات هائلة» لعدد من المبدعين السوريين الشباب في أوروبا، فنجد مثلاً معرضاً لفنان أو هاوٍ شاب، يجري تسليط الأضواء على تجربته وكأنها إنجاز فريد يستحق احتلال موقع أساسي في تاريخ الفن! 

فيقوم الشباب السوريون بتناقل الخبر على صفحاتهم مع الكثير من عبارات التضخيم، كأن يقال «الفنان الشاب فلان الفلاني يبهر الجمهور بأعماله في ألمانيا/ أو فرنسا/ أو النمسا.. وإلخ»، أو أن نجد شاباً قام بالعزف على أحد آلات البيانو الموجودة في صالة مطار أوروبي ما و«أذهل الحاضرين بمهارته»، وتلك فتاة رقصت في شوارع عاصمة أوروبية أخرى ونالت تصفيقاً حاراً من المارة، وغيرها من القصص المشابهة.

لسنا هنا بصدد تحليل شامل لهذا الصنف من «الأعمال الفنية» ومدى نضجها، رغم أنّ غالبها يقع في إطار تجارب أولى لفنانين سوريين شباب شاءت الأقدار أن يكونوا في بلاد الهجرة إما بسبب اللجوء أو الاغتراب، أو أنها تجارب عفوية لهواة، ولا يخلو الأمر من تجارب احترافية حقيقية وناضجة، ولكنها لا تشكل سوى النزر اليسير من ضمن التجارب التي يجري الترويج لها الكترونياً وعبر الفايس بوك بشكل خاص.

لاشك أن من حق هؤلاء وأولئك أن يجربوا ويعرضوا تجاربهم. لكن بضعة ألوان على قماش لا تؤهل صاحبها ليصبح فناناً، كما أن العزف على آلة موسيقية أو الرقص في مكان عام – وإن كان متقناً – لا يمكن اعتباره إنجازا ثقافياً مهماً، مع الأخذ بعين الاعتبار أن عشرات الشباب الفنانين أو الهواة يقومون بهذه النشاطات بشكل شبه يومي في شوارع أوروبا. إذا لم كل هذه الحفاوة؟ 

إذا كان الشارع الغربي جاهلاً بمجتمعاتنا وثقافتنا ويعتبر -إذا افترضنا حسن النوايا-  أن مجرد وجود إنسان سوري– لاجئ يملك مقدرة الرسم أو قراءة نوتة موسيقية هو إنجاز بحد ذاته، فهو إن كان يحتفي بهذا، فإنما حفاوته هذه هي من باب المفاجأة والدهشة، وليست لذلك احتفاء بالمنجز الفني لذاته. يمكن لنا تفهم دهشة «الغربي» ومفاجأته، لكن يصعب علينا فهم مستوى الدهشة والفرح والفخر بهذه المنجزات لدى قسم كبير من الجمهور السوري بمن فيهم جزء كبير ممن يفترض أنهم منتجون ثقافيون، لهؤلاء.. 

مرة أخرى، لم كل هذه الحفاوة؟ أين تكمن الدهشة؟ أحقاً من المدهش أن يكون لدى الشباب السوري الحد الأدنى من الإبداع، أحقاً تفتقر الساحة السورية الثقافية بكل مجالاتها لمبدعين حقيقيين هم أهل لهذه الحفاوة، أبدعوا وما زالوا؟ 

أم أن مكمن الدهشة في كونهم معظمهم من اللاجئين، وكون المرء لاجئاً يجعله تلقائياً غير قادر على الإبداع، وبالتالي يعتبر إنجازاً كبيراً مجرد قيامه بأي فعل «حضاري»؟

إذا كان «الغربيون» يحتفون بـ«الظواهر الإبداعية» التي ينتجها اللاجئون، (وللحقيقة أنهم، وكما أشرنا سابقاً، يحتفون ويتفاجؤون باللاجئين أنفسهم اللذين بممارستهم النشاط الفني- الحضاري يثبتون أنهم أهل للانتماء إلى «عالم الحضارة»، أي إلى الغرب، بغض النظر عن مستوى النشاط الفني الذي يقدمونه).. إذا كان الأمر كذلك، فبأي شيء يحتفي السوريون، بتفاعلهم مع هذه الظواهر عبر شبكات التواصل؟

نعتقد أن جزءاً مهماً من هؤلاء، يحتفون لا بالفنان المعني ولا بمنجزه الفني، ولا بمستوى ذلك المنجز، بل يحتفون باحتفاء الغرب به! يحتفون بالدهشة على وجوه الغربيين، ينتشون بأن الغرب والغربيين مسرورون بإنجازات شباننا!   

إنّ أهم ما تكشفه هذه الظاهرة، هو حجم الشعور العميق بالدونية تجاه الغرب ومعاييره. هي لعبة مرايا خادعة وكريهة، ندخلها من أوسع أبوابها: فعلينا أن نعجب بإعجاب الغرب بأفراد من مجتمعنا! وأن نخضع لمعايير التقييم الفني التي يمدنا بها الغرب وأن نلتزمها، وأن نقدم بذلك اعترافاً بأننا «أمم عاجزة عن الإبداع»..!

 

آخر تعديل على الأحد, 10 تموز/يوليو 2016 18:07