المعارضة وداء الذاتية

المعارضة وداء الذاتية

 

من الأمراض المزمنة التي تعاني منها بعض النخب الثقافية والسياسية السورية المعارضة، داء الـ«أنا» المتورمة، داء الذاتية المفرطة، حيث تعتبر الذات المريضة نفسها محور الحدث، فاللقاءات لن تكون ناجحة إذا لم   ينظمها هو حصراً، أو على الأقل إذا لم يتصدرها هو، باعتباره الوحيد الضامن، والمؤتمن غير المشكوك في نزاهته ومصداقيته، وهو الوحيد الذي من حقه أن يمنح الشرعية لهذه الجهة المعارضة أو تلك أو يحرمها منه، حتى يكاد أن يردد معزوفة «الممثل الشرعي والوحيد»..

تقول تجربة جميع الأمم والشعوب بأن الزعامة السياسية الحقيقية لاتصنّع تصنيعاً، ولاتكون بالجلوس في صدارة مجلس أو مؤتمر أو اجتماع، أوالظهور على المنابر والشاشات فقط،  فالزعامة الجديّة هي من جهة تحصيل حاصل المواقف الصحيحة، وهي نتاج  بنية سياسية تؤمن حكماً فهماً عميقاً للظواهر، يستمد تكامله واتساقه من منهج التحليل العلمي لتلك الظواهر، والاستناد إلى التجربة الملموسة ومختبر الحياة، ومن جهة أخرى هي نتاج بنية أخلاقية، تتضمن بالضرورة الغيرية ونكران الذات وتوافقاً صحيحاً بين الذاتي والعام، دون ذلك لاتنفع أحداً سنوات الاعتقال السياسي أو الإقامة القسرية في بلاد الاغتراب، وإن كانت تشكل رصيداً، فهي لا تكفي وحدها حتى تؤهل هذا أو ذاك أن يكون ممثلاً وحيداً للمعارضة السورية وناطقاً باسمها، أو زعيماً لها.. ولا ينفع الكلام المنمق، ولا القدرة على التوصيف، ومحاكاة أحاسيس وأوجاع الناس، واللهاث وراء الشعبوية، أللهم إلا إذا كان هناك من يرضى الاستحواذ عاى موقع الزعامة على الطريقة الهوليودية في صناعة النجوم.

 إن الشرط الذي لابد منه لأية شخصية أو قوة سياسية سورية حتى يكون لها موقعاً في سورية الغد، هو العمل على كل ما من شأنه أن يغذ السير باتجاه الحل السياسي، وعدم إخضاع هذه الحقيقة لأوهامه وذاتيته، فذاتية بعض النخب السياسية والثقافية السورية في ظروف الأزمة لم تعد مسألة شخصية كما كانت في أوقات سابقة، بل قد تتحول إلى «باركنسون» سياسي وعاهة تستوجب علاجاً من نوع آخر، وخصوصاً عندما تتقاطع هذه النزعة الذاتية مع الاعتياد على الجلوس المديد في الأحضان الدافئة.