«عرض إغريقي..!»

«عرض إغريقي..!»

التاريخ: ؟

المكان: أثيمشق

أخرج من بيتي، أسير في شوارع أثيمشق الحميمة، أسرع خطاي كي لا يفوتني بداية العرض المسرحي، فهذه هي المرة الأولى التي أذهب بها إلى المسرح. الفضل يعود إلى صديق قديم لي يدعى أداتيوس، التقيت به منذ أيام وعلمت منه أنه أصبح ممثلاً هاماً وماهراً، يعرض مسرحيات جادة.

أداتيوس كان فتىً خجولاً انطوائياً قليل الكلام، فكيف يصبح ممثلاً؟؟. عليّ ألا أستبق الأمور... سأكتشف هذا على خشبة المسرح. يا له من زحام، مئات من الحضور تنتظر، منهم من هو جالس ومنهم من يقف مترقباً، وجميعهم يرتدون الملابس الإغريقية الفخمة. أسير وسط الزحام، أقف في مكانٍ أرى منه كامل الخشبة.

صوت صراخ عالٍ!! يظهر بعده عدة أشخاص ويصعدون الخشبة... يتحدثون فيما بينهم، تتعالى أصوات بعضهم ثم تنخفض، الجميع يضعون أقنعة على وجوههم، وعندما يتحدث اثنان أو ثلاثة أشخاص فيما بينهم تتلاشى أصوات الآخرين!! وهكذا. أجوب بنظري بينهم، أين أنت يا أداتيوس؟؟ جميعكم متشابهون، حتى صوتك لا أستطيع تمييزه، فكيف لي أن أميز مهارتك وأنت تضع هذا القناع؟ يستمر العرض ولم يعد يهمني منه شيئ سوى التعرف على أداتيوس. كم من الأسئلة تراودني بإصرار... لماذا هم مقنعون أمامنا ويرمون بأقنعتهم أمام الكواليس؟ ماذا يخفون تحتها؟ وكيف لي أن أتفاعل مع صوت وجسد دون رؤية وجه صاحبه؟  أم أنكم تخفون فضائح وجوهكم؟ هل هناك من أمركم وأجبركم على وضع هذه الأقنعة ذات الملامح المرسومة ليقول هو من خلالكم ما يريد؟ لا أدري...

نحن الإغريق أول من نادى بالديمقراطية حتى باتت تطبق في دول بنفسها من خلالها، بل وتشن حروباً على الدول التي لا تسلك منهجها. سأكف عن الثرثرة، أين أنت يا أداتيوس؟ جميعكم تقولون ما كتب لكم. وتتحركون كما رسم لكم، والأبشع من هذا تخشون من ملامح وجوهكم، تباً لهذه الأقنعة. 

ينتهي العرض، أخرج وأسير عائداً إلى منزلي، وفجأة يصرخ في أذني بائع البسطاتاكي منادياً على بضاعته، يجفلني للحظات ثم أتابع سيري، يستوقفني مهرب دخاناكو ليعرض علي سمومه!! أين كرامتك يا أثيمشق وأين علماؤك وفلاسفتك؟ لم يتبق منهم سوى هذا الذي يرتديه القليلون منا بشكل أنيق والكثيرون منا هم ممزقون ومهترؤون ومتسخون. 

أسمع صراخاً!! ألتفت حيث مصدره لأرى شخصين يتشاجران أحدهما بائع جارناكي يدافع عن مكان بسطته ضارباً بائع الشحاطاكيا، وصبية شحاذولا تتسول في الطريق حاملةً ابنها الرضيع. خليط من البشر يعيش في هذه المدينة التي أنتمي إليها، لعل معظمنا لسنا بمظهر لائق وتفوح منا رائحة غير محببة.. لكننا لا نطيق الأقنعة لا بل نرفض من يضعها.

معجم المفردات:

أثيمشق: أثينا –دمشق

البسطاتاكي: البسطة

دخاناكو: الدخان

الشحاطاكيا: الشحاطات

شحاذولا: شحاذة

اسم أداتيوس: من كلمة أداة