تقرير إسكوا الأخير حول العقوبات على سورية مضمونه الهجوم عليه والدفاع عنه... وسياقه الزمني-السياسي
نشرت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا والمعروفة باسمها المختصر «إسكوا» ومقرها الرئيس في بيروت، نشرت قبل أيام تقريراً باللغة الإنكليزية حول تداعيات العقوبات على السكان في سورية، بعنوان «الديناميكيات والآثار غير المتعمّدة للتدابير القسرية الأحادية ضد سورية»، والذي ما زال غير متاح بعد باللغة العربية.
ووفق موقع الإسكوا، فإن الدراسة التي أعدّها الباحث والاقتصادي السوري د. جوزيف ضاهر، تقدم «تحليلاً للتداعيات الناتجة عن العقوبات المفروضة على سورية، باتّباع نهج قائم على الأدلة يرتكز على مزيج من الأساليب الكميّة والنوعيّة. وإضافةً إلى عرض الأدبيّات وآراء الخبراء والتحليلات النوعية، تعرض الدراسة وجهات نظر المواطنين في سورية. وهي تتطرّق أيضاً إلى ما يقع على مقدّمي المساعدات الإنسانية من عواقب غير متعمّدة ناجمة عن العقوبات، وتخلص إلى توصيات للتخفيف من تلك العواقب».
وبحسب المقدمة، فإن التقرير عبارة عن ملخص لبحث تم إجراؤه سابقاً، إلا أنه لا يوجد رابط للبحث، وليس من الواضح ما إذا كان قد تم نشره أم لا. إضافة إلى ذلك، ليس واضحاً متى تم نشر البحث الذي يشكّل التقرير ملخصاً له، إلا أنه بالنظر إلى بعض التواريخ المذكورة، يبدو أنه تم جمع معظم البيانات في عامي 2022 و2023. ويمكن وفق المعطيات افتراض أن البحث اكتمل بحلول نهاية عام 2023.
سياق عام
لا يمكن اعتبار التقرير موضع النقاش، الأول من نوعه، كتقرير صادر عن مؤسسات تابعة للأمم المتحدة، في إدانة التأثيرات الإنسانية والاجتماعية والسياسية الضارة للعقوبات الغربية، فقد سبق أن أعرب أكثر من مسؤول أممي عن إدانته للإجراءات القسرية الأحادية المتخذة ضد سورية.
مع ذلك، فإنّ لهذا التقرير أهمية خاصة تتأتى من مكانين على الأقل؛ الأول: هو توقيته والسياق الذي يتم نشره ضمنه (والذي سنحاول إلقاء بعض الضوء عليه في نهاية هذه المادة)، والثاني: هو رصانة المادة العلمية المقدمة فيه، والتي يعود الفضل في العمل عليها بالدرجة الأولى للباحث.
قبل محاولات استخلاص نتائج سياسية من توقيت نشر هذا التقرير، من المفيد أن نقدم هنا تلخيصاً لمضمون التقرير، والذي يتوافق في كثير من نتائجه مع جملة المقالات والدراسات التي أجرتها قاسيون حول موضوع العقوبات عبر السنوات الماضية.
مضمون التقرير
كما أشرنا أعلاه، فإنّ التقرير هو ملخص لبحث أوسع، وما يميّز البيانات التي يعتمد عليها البحث، أنها لم تقف عند حدود الدراسة الاقتصادية الجافة للأرقام، على أهميتها، ولكن تعدت ذلك إلى استطلاعات رأي عامة، ومقابلات مع خبراء في قطاعات مختلفة، حيث إن المشاركين كانوا من مناطق السيطرة المختلفة في سورية: مناطق سيطرة النظام السوري، مناطق سيطرة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية، ومناطق الشمال الغربي.
القسم الأول، من التقرير يقدم نظرة عامة مختصرة حول التدابير القسرية الأحادية المفروضة على سورية، وبشكل أساسي تلك التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
القسم الثاني، يستعرض الآثار الاجتماعية والإنسانية للإجراءات القسرية الأحادية على أساس دراسات مقارنة حول تأثير العقوبات على سورية، ويقدم مراجعة شاملة للأدبيات التي تدمج النتائج ووجهات النظر من العديد من الدراسات النظرية والتجريبية السابقة. ويقول التقرير: «وفقاً للبحث الأكاديمي، فإن العقوبات لها تداعيات سلبية، غالباً ما تسمى بالآثار غير المقصودة، على الظروف المعيشية وحماية حقوق الإنسان، ومستوى الديمقراطية في البلدان المستهدفة... وقد كشفت الأدبيات الموجودة أن العقوبات الاقتصادية لها آثار سلبية على المؤشرات الاجتماعية، مثل: الصحة العامة والفقر والمساواة في الدخل والأمن الغذائي. وقد تساهم العقوبات أيضاً في تقليل حماية حقوق الإنسان. ولهذه الآثار السلبية بعد جنساني واضح، حيث إن النساء أكثر تأثراً بنسبة 24 % من الرجال. والأطفال أيضاً معرضون للخطر بشكل خاص. وبالإضافة إلى ذلك، يبدو أن العقوبات المستهدفة ــ التي تهدف صراحة إلى الحد من التأثيرات السلبية الأوسع نطاقاً ــ ترتبط بعواقب مماثلة، مثل: التدابير الأكثر شمولاً. وبالتالي، تكثر الانتقادات حول الآثار الإنسانية السلبية للضغوط الخارجية (المستهدفة)».
وينوه التقرير إلى أن «ما نفتقده بانتظام أيضاً هو منظور المواطنين في البلدان المستهدفة، على الرغم من أن هذا له أهمية أساسية لإجراء تقييم شامل للآثار الاقتصادية والأوسع نطاقاً للضغوط الخارجية، حيث تهدف التدابير بانتظام إلى المساهمة في تغيير السلوك».
وينتقل هنا التقرير إلى القسم الثالث، والذي ينظر في تصورات المواطنين حول آثار التدابير القسرية الأحادية، حيث يركز على تصورات السوريين العاديين بشأن العقوبات المفروضة على سورية، وبالتحديد تأثيرها على سبل عيشهم. «ولهذا الغرض، تم تصميم دراسة استقصائية مفصلة للتصورات وتم إجراؤها على ما يقرب من 1187 فرداً في المراكز الحضرية في مناطق سيطرة قوى الأمر الواقع... وشكل الاستطلاع أساساً لفهم مواقف الجمهور تجاه العقوبات. وتم تصنيف النتائج حسب الجنس والتعليم والعمر، وبين السوريين الذين يعيشون في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية، وأولئك الذين يعيشون في الشمال الشرقي والشمال الغربي».
وفق الاستطلاع حول الموقف العام للمشاركين تجاه التدابير القسرية الأحادية، نسبة أولئك الذين ضد العقوبات جزئياً أو كلياً في مناطق سيطرة النظام، والشمال الشرقي، والشمال الغربي، هي على التوالي: 67,7٪، 82,5٪، 47,3٪، وفي جميع المناطق سوية 66,2٪. وبحسب التقرير فإن نسبة كبيرة من المشاركين في الاستطلاع ذكروا سببين أساسيين، «أولاً: تضر التدابير القسرية الأحادية بسبل عيش السكان (بسبب التضخم ونقص السلع الأساسية، وما إلى ذلك) والوضع الاقتصادي والأمني السائد. وثانياً: لم تحقق التدابير القسرية الأحادية أهدافها، لأنها أثرت على السكان بدلاً من مسؤولي الحكومة السورية ورجال الأعمال المرتبطين بها، الذين يُنظر إليهم على أنهم يتحايلون على التدابير القسرية الأحادية، بل ويستفيدون من العقوبات من خلال شبكاتهم ومخططاتهم الاقتصادية المختلفة».
وبحسب الاستطلاع حول الآثار الملموسة للتدابير القسرية الأحادية على سبل العيش، رأى 92٪ من المشاركين أن العقوبات «تؤثر على سبل عيشهم في عدة جوانب (اجتماعياً واقتصادياً ومن حيث تحويل الأموال)، بغض النظر عن موقفهم تجاه التدابير القسرية الأحادية والحكومة السورية». وكانت هذه النسب وفق المناطق الثلاث – النظام، الشمال الشرقي، الشمال الغربي – تباعاً: 93,9٪، 90,2٪، 88.8٪.
«وكانت التداعيات الاجتماعية للتدابير القسرية الأحادية الأكثر ذكراً هي أسعار السلع، وانخفاض قيمة الليرة السورية، ونقص الطاقة وارتفاع تكاليفها، والعنف وانعدام الأمن، ونقص الغذاء والحصول على خدمات الرعاية الصحية... والتي تفاوتت حسب خصوصيات وديناميكيات المناطق المختلفة، على الرغم من وجود العديد من العناصر المشتركة».
«يعتقد المشاركون أن غالبية العوامل الرئيسة التي تؤثر على حياتهم اليومية في المناطق الثلاث مدفوعة بالتدابير القسرية الأحادية (دائماً بنسبة تزيد عن 70 %) ... وهذا يكشف عن فهم بين السكان الذين شملهم الاستطلاع، بأن هناك علاقة بين التدابير القسرية الأحادية والأزمة الاقتصادية في البلاد، وبالتالي صعوبة التمييز بين العوامل المختلفة (الحرب والدمار، وسوء الإدارة والسياسات الاقتصادية، والفساد، وما إلى ذلك) عند تفسير جذور وأسباب الوضع الاقتصادي الراهن».
ويظهر الرسم البياني التالي الآثار الملموسة للتدابير القسرية الأحادية على 1050 من المشاركين في الاستطلاع في المناطق الثلاث في القطاعات المختلفة: الغذاء، الصحة، المأوى، المياه، انخفاض الدخل، ارتفاع الأسعار وصعوبة العثور على منتجات معينة، خسارة العمل، الحاجة إلى تغيير العمل، والتحويلات المالية.
وعند المقارنة بالوضع في 2020، أي قبل دخول قانون قيصر حيّز التنفيذ، قال 70,3٪ من المشاركين من المناطق الثلاث بأن الوضع بات أسوأ.
يستنتج هذا القسم «أن غالبية السوريين الذين شملهم الاستطلاع، والذين يعيشون داخل البلاد، لديهم آراء سلبية بشأن التدابير القسرية الأحادية وتأثيرها على السكان وقطاعات الاقتصاد المختلفة. ذكرت أغلبية كبيرة من المشاركين أن التدابير القسرية الأحادية أثرت سلباً على حياتهم اليومية. تم تبني هذا الرأي بغض النظر عن الجنس والتعليم والعمر، مع وجود اختلافات طفيفة بين المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، من ناحية، والشمال الشرقي والشمال الغربي من ناحية أخرى. والجدير بالذكر أن هذا الرأي أعرب عنه غالبية المشاركين الذين أيدوا عموماً العقوبات المفروضة على سورية. وهذا يعني أنه حتى السوريين الذين وافقوا على الضغوط الخارجية، اعتبروا أن العقوبات المفروضة تضر بشكل غير متناسب بسبل عيشهم وحياة مواطنيهم».
وينتقل التقرير في القسم الرابع إلى النظر في آثار العقوبات على القطاعات الاجتماعية والمساعدة الإنسانية، على أساس المقابلات شبه المنظمة ومراجعة للأدبيات في الموضوع. ويقوم هذا القسم بتحليل «الآثار غير المقصودة للتدابير القسرية الأحادية على القطاعات الاجتماعية الحيوية، والتي ترتبط بشكل أساسي بسبل العيش ونقاط الضعف لدى السكان السوريين، وإمكانية تقديم المساعدة الإنسانية للسوريين... ويشمل ستة قطاعات اجتماعية رئيسة، وهي: الرعاية الصحية وقطاع الأدوية؛ التعليم؛ المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية (WASH)؛ حماية مواقع التراث الثقافي؛ الأمن الغذائي والزراعة؛ والمساعدات الإنسانية»:
الرعاية الصحية وقطاع الأدوية: «عانى النظام الصحي بشكل كبير طوال فترة النزاع. على الرغم من أن القطاع الصحي لا يُستهدف بشكل مباشر بالعقوبات، إلا أنه تأثر بشكل غير مباشر بطرق عديدة»:
أولاً: تأثر الوصول إلى الإمدادات الطبية الرئيسة وتوافرها لأن «التدابير القسرية الأحادية منعت المستشفيات والمرافق الصحية في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة من استيراد مواد طبية محددة أو شراء مواد ومعدات لإصلاحها...، والمعدات والأدوات الطبية في العديد من المستشفيات قديمة، أو يصعب العثور عليها. علاوة على ذلك، هناك نقص حاد في الأدوية في السوق، خاصة أدوية السرطان واللقاحات. وغالباً ما تتطلب الأجهزة الطبية برنامجاً متوافقاً، والذي يتطلب بدوره ترخيصاً من الدول التي تفرض العقوبات، في حين تم إنهاء التراخيص من قبل تلك الشركات. وتم تجهيز معظم المرافق الصحية في سورية بمنتجات أوروبية، ويجب أن تأتي قطع الغيار من مواقع مماثلة لضمان حسن سير العمل».
ثانياً: تأثرت القدرة على إنتاج المنتجات الدوائية بطرق مختلفة، «وشملت الآثار غير المقصودة للتدابير القسرية الأحادية ما يلي: عدم قدرة الشركات المصنعة على إنتاج واستيراد وتصدير مواد معينة بسبب التعريف الواسع للسلع ذات الاستخدام المزدوج...؛ زيادة تكلفة الإنتاج في شركات الأدوية، وبشكل عام في قطاع التصنيع؛ العملاء الأجانب بشكل عام غير مهتمين بشراء الأدوية المنتجة في سورية... حيث انخفض عدد الدول المستوردة للأدوية من سورية إلى حوالي 10 دول، مقارنة بأكثر من 44 دولة قبل عام 2011؛ أكثر من 50% من المصانع لم تستأنف عملها، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الأدوية المستوردة...؛ كما غادرت شركات الأدوية الدولية الكبرى... البلاد بعد اندلاع الصراع، في حين سحبت شركات أخرى تراخيصها من الشركات المحلية، وألغت الغالبية العظمى من المعامل الأوروبية والأمريكية امتيازاتها في سورية».
ثالثاً: آثار التدابير القسرية الأحادية تفاقمت لأسباب أخرى، منها: «أثر نقص الوقود في السوق المحلية، والذي يرجع جزئياً إلى التدابير القسرية الأحادية، على المرافق الصحية، ولا سيما قدرات التدفئة والطهي وسيارات الإسعاف وقدرة الأطباء على الوصول إلى المستشفيات. واحد وسبعون في المئة من جميع مرافق الرعاية الصحية الأولية ليس لديها أي مولد احتياطي. ويعتمد 80 مستشفى عام من أصل 87 على المولدات للحفاظ على عملياته المستمرة وسط النقص المستمر في الكهرباء وانقطاعها؛ وأدى الإفراط في تدابير الامتثال من قبل البنوك الإقليمية والدولية لكل معاملة مرتبطة بسورية إلى الكثير من التأخير وحتى الإلغاء... ورفض العديد من الجهات الفاعلة الخاصة التعامل مع أي شيء مرتبط بالبلاد، ولذلك أدت مصادر الاستيراد البديلة إلى ارتفاع التكاليف».
وكان للامتثال المفرط تأثير كبير، إضافة إلى التأخير في المعاملات المالية، «كما تواجه عمليات الشراء صعوبات عديدة... وانخفض عدد مقدمي العروض الذين استجابوا لدعوة الشراء في عام 2019 مقارنة بعام 2020 وما بعده، في المتوسط، من ثمانية إلى ثلاثة، وأحياناً أقل. أخيراً، تم إلغاء 31 عملية أو عقد شراء في عام 2020، 22 منها بسبب العقوبات و9 بسبب انخفاض قيمة الليرة السورية».
قطاع التعليم: «عانى قطاع التعليم بشكل مباشر وغير مباشر من التدابير القسرية الأحادية، على الرغم من الإعفاء الإنساني من العقوبات الممنوح لجميع عمليات المساعدة المشروعة، بما في ذلك التدخلات التعليمية. وتشمل هذه»:
أولاً: «الإفراط في الامتثال وتقييد الوصول إلى المعدات التقنية والأدوات والمواد التعليمية... حيث أصبح شراء المعدات أو الأدوات التعليمية أو حتى الكتب الأجنبية أمراً صعباً».
ثانياً: «نقص الوقود، والذي أثر أيضاً على عمل شبكات المياه وتوافر المياه في المدارس، بينما أثر على إمكانية تدفئة الفصول الدراسية في فصل الشتاء».
ثالثاً: «إصلاح وصيانة المباني، حيث ساهمت التدابير القسرية الأحادية في منع إعادة بناء المدارس أو بناء مدارس جديدة، حيث لم تتمكن الصناديق الدولية والمنظمات غير الحكومية الدولية إلا من إجراء القليل من إعادة تأهيل المدارس المتضررة».
المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية (WASH): «أدى التدهور والتدمير الواسع النطاق لمرافق المياه في جميع أنحاء البلاد إلى انخفاض إمكانية الوصول إلى المياه بنحو 40 % مقارنة بما كان عليه الحال قبل عقد من الزمن. تم تصريف المياه العادمة دون معالجتها في البيئة الطبيعية، مما أدى إلى مخاطر جسيمة على الصحة العامة وتلويث موارد المياه الجوفية»، وبينما القطاع ككل ليس خاضعاً للعقوبات إلا أنه تأثر بثلاثة عوامل:
أولاً: «تقييد الوصول إلى المعدات والمنتجات وتوافرها... بسبب تصنيفها على أنها سلع ذات استخدام مزدوج... علاوة على ذلك، ونتيجة للفشل في استيراد المعدات وقطع الغيار من أوروبا، ما أدى إلى التحول نحو الاستيراد... من الدول الآسيوية... لذلك فإن البنية التحتية تتكون بشكل متزايد من معدات هجينة... وهذا يفرض تحديات على أدائها».
ثانياً: «الامتثال المفرط... من قبل البنوك الإقليمية والدولية لكل معاملة مرتبطة بسورية، ما أدى إلى الكثير من التأخير وحتى الإلغاء... وبحسب أحد الخبراء في المجال الإنساني فإن المياه النظيفة غير متوفرة لـ 47٪ من السكان... ما أدى على تردي الظروف الصحية في سورية».
ثالثاً: «نقص الوقود، ... على سبيل المثال، يعد الوقود ضرورياً لتشغيل محطات ضخ المياه في المناطق الريفية، ويؤثر عدم توفره على إمكانية الوصول إلى المياه وكذلك على كميتها ونوعيتها».
حماية مواقع التراث الثقافي: أثرت التدابير القسرية الأحادية على هذا القطاع من خلال: «تنفيذ مشاريع أقل لإعادة التأهيل والترميم للمواقع والمباني الأثرية...؛ وقف التعاون العلمي مع الوكالات الدولية، بما في ذلك تنظيم الندوات والمحاضرات، وزيارات الخبراء والأكاديميين الأجانب، والتبادل العلمي في المجال...؛ نقص في المعدات والمواد التقنية اللازمة في السوق المحلية، وكذلك الوقود، مما يؤثر على العمليات الميدانية...؛ كما أصبحت عمليات الشراء والتعاقد مع البائعين والاستشاريين مشوبة بالعقبات والعمليات البيروقراطية الطويلة للحصول على التدقيق من الجهات المانحة».
الأمن الغذائي وقطاع الزراعة: أثرت التدابير القسرية الأحادية على هذا القطاع من خلال:
«تقييد الوصول إلى المعدات والمنتجات وتوافرها، حيث وقد حال التعريف الواسع للسلع ذات الاستخدام المزدوج دون استيراد معدات معينة، مثل: الأنابيب ومضخات المياه ومولدات الطاقة وقطع الغيار، فضلا عن مجموعة واسعة من الأسمدة ومبيدات الأعشاب والمبيدات الحشرية اللازمة لزراعة المحاصيل. كما تم منع استيراد المواد والمعدات اللازمة لإنعاش قطاع الثروة الحيوانية».
«ارتفاع أسعار المدخلات الزراعية – المبيدات، الأسمدة، الآلات، البذور».
«الامتثال المفرط، حيث ترفض الشركات الأوروبية بشكل متزايد تصدير أي نوع من المعدات أو مدخلات الإنتاج، غير المحظورة، إلى سورية، خوفاً من مخالفة العقوبات... حتى لو وافقت شركة أوروبية على التصدير إلى سورية، ستكون هناك تحديات ومشاكل كبيرة في تحويل المبلغ المستحق بسبب التدابير القسرية الأحادية».
«نقص الوقود... وتوقف العديد من صغار المزارعين عن الإنتاج، لأنهم لم يتمكنوا من مواجهة ارتفاع أسعار البنزين وغيره من السلع».
«إعادة تأهيل محدودة للبنى التحتية المرتبطة بالقطاع الزراعي، حيث إن الجهات المانحة لا تدعم دائماً إعادة تأهيل أنظمة الري. وقد تدعم قنوات المجتمع المحلي المملوكة للقطاع الخاص والبنية التحتية للتحكم في المياه. ومع ذلك، يتم حظر أي نشاط إعادة تأهيل مماثل إذا كان يفيد أعمال الري المملوكة للقطاع العام. ويؤدي هذا إلى مشاكل كبيرة، حيث يعتمد الري في المجتمعات المحلية في كثير من الأحيان على البنية التحتية للمياه المملوكة للقطاع العام على نطاق واسع».
يقدم التقرير تحليلاً على أساس مقابلات مع خبيرين في القطاع ونقاش مركزة مع مجموعة من المزارعين، والذين كشفوا «بالإجماع أن العقوبات أثرت على سبل عيش المزارعين وقدراتهم الإنتاجية وأصولهم. وكان هناك اتفاق لا لبس فيه... على أن العقوبات أثرت بشكل أكبر على قطاع الزراعة وأنظمة الأمن الغذائي، والتي كانت مجزأة بالفعل بسبب أكثر من عقد من الصراع... وكان هناك انقسام في تفسير دور السياسات القائمة في تدهور القطاع وسبل العيش... واعتبرت الأغلبية أن العقوبات أعاقت الإنتاج بشكل مباشر من خلال إعاقة الوصول إلى الوقود والمدخلات والأسمدة والمبيدات الحشرية والمنتجات البيطرية، وأشار آخرون ضمنياً إلى دور الحوكمة والمساءلة والممارسات غير المشروعة... وشدد المزارعون والخبراء على أن السوق السوداء والتهريب يوازنان آثار العقوبات على بعض السلع الأساسية بالنسبة للأقلية القادرة على الدفع. إلى جانب ندرة المياه وارتفاع الأسعار وسوء نوعية البذور والأسمدة، أُجبر بعض المزارعين المحرومين على التخلي عن أراضيهم وبيع أصولهم والانتقال إلى المدن، حيث لم تعد الزراعة مربحة بما يكفي للحفاظ على سبل عيشهم، بسبب تكاليف الإنتاج... ولم يكن الحصول على الإعانات وعلى كميات أكبر من البذور والأسمدة منصفاً... وفقاً للمزارعين، فإن التدابير القسرية الأحادية المفروضة على سورية بغرض تسريع التغيير قد أعاقت بشكل خطير في الغالب قدرة المزارعين الفقراء على التعامل مع عواقب الصراع، والتي تفاقمت بسبب فيروس كورونا وحالات الجفاف المتكررة. حتى أن التدابير القسرية الأحادية خدمت وأفادت أولئك الذين كان من المفترض أن تؤثر عليهم، وفقاً لخبير سوري. واللافت، بحسب المطلعين، أن التدابير القسرية الأحادية خلقت «طبقة» أخرى ستعيق تحقيق انتقال عادل في سياق ما بعد الصراع».
المساعدات الإنسانية: «أثرت التدابير القسرية الأحادية على فعالية تقديم المساعدة الإنسانية للسوريين المحتاجين... بشكل رئيسي نتيجة للديناميكيات المرتبطة بـ «التأثير المثبط» والامتثال المفرط للموردين الأجانب غير الراغبين في التعامل مع سورية، فضلاً عن الامتثال المفرط للمصارف، مما جعل تحويل الأموال داخل البلاد أكثر صعوبة... ولم تيسّر الاستثناءات في غالبية أنظمة العقوبات العمليات الإنسانية على الأرض»، وكانت الآثار السلبية نتيجة عدة عوامل منها:
أولاً: «العواقب المباشرة للتدابير القسرية الأحادية على المساعدة الإنسانية: تأخير وحظر المعاملات المالية، وإغلاق الحسابات المصرفية الأوروبية للمنظمات غير الحكومية التي تشارك بنشاط في الأزمة الإنسانية السورية... وتأثرت بشكل سلبي عمليات أكثر من 55% من المنظمات غير الحكومية الدولية، التي قدمت المساعدة إلى 4.1 مليون شخص في جميع أنحاء البلاد في بداية عام 2021؛ ... وتضاءلت القدرة على استيراد المعدات والسلع وقطع الغيار والآلات، وأدت التدابير القسرية الأحادية المفروضة على سلع مستوردة معينة (وبعض السلع المصدرة) إلى خلق المزيد من العقبات في السوق المحلية من حيث العرض، بل وحتى نقص أكبر وارتفاع تكاليف هذه الموارد، وبعض المنصات الإلكترونية التي تقدم الخدمات الأساسية لإدارة عملياتها غير متوفرة وتم حظرها نتيجة للعقوبات المفروضة على سورية... وبعض الخدمات على شبكة الإنترنت لا تشمل سورية حتى كبلد يمكن اختياره، مما يحد من الوصول إلى التعلم والمعلومات، ويقيد التنمية الشخصية وفرص التعلم بشكل عام...؛ وأصبح الشراء والتعاقد مع البائعين أمراً صعباً للغاية، ويتطلب الحصول على التدقيق من الجهات المانحة الآن عمليات بيروقراطية طويلة، ما أدى ذلك إلى انخفاض عدد المقاولين ومقدمي العروض المتقدمين للمناقصات، وانخفاض جودة مقدمي العروض...، وأصبح العديد من المقاولين والاستشاريين أقل اهتماماً بالعمل وتقديم العروض للمنظمات الدولية النشطة على الأرض، وذلك بسبب التأخير الشديد في الدفع والتقلبات في العملة السورية».
ثانياً: «العمليات والمشاريع الإنسانية والعواقب غير المباشرة الأخرى الناجمة عن التدابير القسرية الأحادية: خلقت أنظمة العقوبات المتداخلة قدراً كبيراً من عدم اليقين بشأن كيفية الامتثال للتدابير المعقدة. ولذلك رفضت البنوك والمصدرون وشركات النقل، وشركات التأمين بشكل شبه كامل إجراء أعمال تجارية في سورية، بما في ذلك مع المنظمات غير الحكومية التي تقدم المساعدة للمدنيين السوريين، وقد أثر ذلك على فعالية العمليات الإنسانية... وأثرت التدابير القسرية الأحادية بشكل غير مباشر على العمليات اليومية لوكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية والمنظمات غير الحكومية بطرق أخرى، لا سيما من خلال التأثير المرتبطة بالوقود والكهرباء»... ويقول منسق مشروع إحدى المنظمات غير الحكومية في دمشق، فإنه «بسبب نقص الوقود والكهرباء، قمنا بتخفيض عدد ساعات العمل بشكل كبير، مما أدى بدوره إلى تراجع أنشطتنا وخدماتنا. ويقترن ذلك بارتفاع تكلفة الوقود. كما أن نقص الوقود وارتفاع سعره أجبرنا على تقليص عدد الزيارات الميدانية، ما أدى إلى تراجع خدماتنا في المناطق المحيطة بدمشق».
ويقدم التقرير في نهايته بعض الاستنتاجات والتوصيات السياسية الرئيسة، وهي باختصار:
المتابعة المستمرة لتصورات المواطنين بشأن العقوبات وآثارها.
الحد من الإفراط في الامتثال والتأثيرات المثبطة.
دعم البنوك/ المؤسسات المالية العاملة.
الحفاظ على الحوار والمشاورات المستمرة الحفاظ على الحوار والمشاورات المستمرة.
قراءة أولية في الأبعاد السياسية للتقرير
كما هو متوقع، فقد تلقى التقرير ابتداءً من يوم نشره هجوماً واسعاً من مؤيدي العقوبات الغربية والأمريكية، وخاصة من أولئك الذين كرّسوا أنفسهم للدفاع عن السياسات الأمريكية تجاه سورية، والذين يفقدون أيّ قدرة على النقد الموضوعي حين تتم مواجهتهم بالحقائق والأرقام، وبدلاً من النقد الموضوعي يتجهون مباشرة إلى ممارسة مختلف أشكال «التشبيح السياسي» باعتباره الوسيلة الوحيدة بين أيديهم.
من جانب آخر، يمكننا أن نلحظ أنّ التوصيات التي خلص إليها التقرير لا تتناسب مع مضمونه، فهي لم تصل حد المطالبة برفع العقوبات وإنما وقفت عند حدود تقنينها وضبطها، الأمر الذي يمكن تفهمه باعتبار التقرير صادراً عن جهة «أممية» ليست في وارد الاصطدام مع القوى الكبرى التي تفرض العقوبات، وخاصة مع الولايات المتحدة.
فيما يتعلق بالتوظيف السياسي المطلوب من هذا التقرير، ينبغي التمييز بين المادة العلمية التي يقدمها الباحث، والغرض السياسي الذي يسعى وراءه من جهة، وبين الغاية التي تسعى إليها الإسكوا من وراء نشر التقرير.
السياق الزمني لإصدار هذا التقرير، يضعه -في رأينا- ضمن إطار سياسة العصا والجزرة الأمريكية، المسماة «خطوة مقابل خطوة»، والتي تتضمن بين أدواتها التنفيذية الراهنة الأداة المسماة «التعافي المبكر».
مع ذلك، فإنّ هذا لا ينتقص من أهمية عمل الباحث، ومن أهمية المادة البحثية التي يقدمها، والتي تصب سياسياً ضد العقوبات الغربية، وتكشف حجم النفاق الإنساني الذي تمارسه الدول التي تفرض العقوبات على الشعب السوري بالدرجة الأولى، كأداة ابتزازٍ سياسية لا تستهدف لا الانتقال الديمقراطي ولا التغيير الحقيقي، وإنما «تغيير سلوك النظام» بما يخدم مصالح تلك الدول، وليس بما يخدم مصالح الشعب السوري، بل وبالذات على حساب تلك المصالح...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1183