بيانات النواتج المحلية العالمية... ماذا يخفي الوضع الصيني؟
تم مؤخراً إصدار أحدث الإحصائيات المتعلقة بالناتج المحلي الإجمالي لدول العالم لعام 2023، وكانت الأرقام الخاصة بالصين لافتة بشكل خاص. حيث أتاحت الفرصة لإجراء تقييم شامل لأداء الاقتصاد الصيني مقارنة بالولايات المتحدة وغيرها من الاقتصادات العالمية، مما يساعد في الوصول إلى فهم متوازن للوضع الداخلي للصين. كما يساهم في دحض الحملة الدعائية المكثفة التي يقودها الغرب بهدف التعتيم على الحقائق الاقتصادية الدولية.
الحقيقة هي أن اقتصاد الصين عند دخوله عام 2024، كان قد تجاوز بكثير جميع الاقتصادات الكبرى المماثلة الأخرى. وهذا الواقع يتناقض تماماً مع ادعاءات وسائل الإعلام الأمريكية، ويوضح التحريف والتزييف غير العادي في وسائل الإعلام الأمريكية حول هذا الوضع.
خطة عمل الصين خلال الأعوام 2020 - 2035
حددت الصين أهدافاً واضحة لتنميتها الاقتصادية خلال الفترة المقبلة، والتي ستكمل انتقالها من اقتصادٍ «نامٍ» إلى اقتصاد «مرتفع الدخل» وفقاً لمعايير البنك الدولي الدولية.
وبالأرقام الدقيقة، في مناقشة عام 2020 حول الخطة الخمسية الرابعة عشر في الصين، تم التوصل إلى أنه بحلول عام 2035: «من الممكن تماماً مضاعفة إجمالي الدخل أو نصيب الفرد من الدخل». وكما ذكر مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني العشرين، فإن الصين ستصل إلى مستوى «دولة متوسطة النمو بحلول عام 2035».
في المقابل، تزعم سلسلة حديثة من التقارير الغربية، والتي تستخدم على نطاق واسع في الدعاية المناهضة للصين، أن الاقتصاد الصيني سوف يشهد تباطؤاً حاداً وسوف يفشل في تحقيق أهدافه.
توضح البيانات الحقيقية أن الاقتصاد الصيني نما بسرعة تزيد على ضعف سرعة نمو الاقتصاد الأمريكي في عام 2023. ويمكن الرد بأكثر من طريقة على ادعاءات وسائل الإعلام الأمريكية الكاذبة، ولكن أفضل طريقة هي مقارنة الاقتصاد الصيني بالاقتصادات الأخرى بشكل منهجي.
تسارع النمو الصيني مقابل تراجع الوضع الأمريكي
لوحظ أنه في عام 2023 نما الناتج المحلي الإجمالي للصين بنسبة 5.2% والولايات المتحدة بنسبة 2.5%. ما يعني أن الاقتصاد الصيني نما بأكثر من ضعف سرعة نمو الاقتصاد الأمريكي. ولكن تجدر الإشارة أيضاً إلى أن عام 2023 كان عاماً شهد نمواً أمريكياً أعلى من الاتجاه التاريخي للنمو في الولايات المتحدة، الأمر الذي دفع الكثير من خبراء الاقتصاد للتشكيك في نسبة النمو الأمريكي المزعوم.
رغم ذلك، توضح البيانات أنه في الفترة الإجمالية منذ بداية عام 2020، نما اقتصاد الصين بنسبة 20.1% والولايات المتحدة بنسبة 8.1%، أي أن إجمالي نمو الناتج المحلي الإجمالي للصين منذ بداية 2020 كان أكبر مرتين ونصف من الولايات المتحدة. وكان متوسط معدل النمو السنوي للصين 4.7% مقارنة بـ2.0% في الولايات المتحدة.
الصين مقابل المراكز الغربية: نظرة عامة للأداء
بالانتقال إلى مقارنات دولية أوسع نطاقاً من تلك الخاصة بالولايات المتحدة، فإن مثل هذه البيانات تظهر على الفور الوضع السلبي للغاية في أغلب اقتصادات «الشمال العالمي» وتفوق الصين الكبير في أدائها.
وإذا قارنا البيانات في الصين والولايات المتحدة ومنطقة اليورو (تمثل هذه التكتلات الثلاثة مجتمعة 57% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي) يظهر أنه في السنوات الأربع السابقة (حتى الربع الرابع من عام 2023)، نما الاقتصاد الصيني بنسبة 20.1%، والولايات المتحدة بنسبة 8.2%، ومنطقة اليورو بنسبة 3.0%.
وعلى هذا فقد سجل الاقتصاد الصيني نمواً أسرع مرتين ونصف من نظيره في الولايات المتحدة، في حين يمكن وصف الوضع في منطقة اليورو بدقة بأنه سلبي للغاية، حيث بلغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي في السنوات الأربع الأخيرة 0.7% فقط.
ومرة أخرى، توضح مثل هذه البيانات على الفور أن الادعاءات في وسائل الإعلام الغربية بأن الصين تواجه أزمة اقتصادية، وأن الاقتصادات الغربية في وضع جيد، هي ادعاءات منافية للمنطق وللحقيقة ومجرد دعاية مضادة.
الصين مقابل ما يسمى بـ«مجموعة السبع»
بالانتقال إلى تحليل وضع الدول كل على حدة، ثم مقارنة الصين بدول مجموعة السبع جميعها (أي ما يسمى زيفاً بالاقتصادات المتقدمة الكبرى)، يظهر الوضع بالقدر نفسه من الوضوح: على مدى السنوات الأربع منذ بداية 2020، نما اقتصاد الصين بنسبة 20.1%، والولايات المتحدة بنسبة 8.1%، وكندا بنسبة 5.4%، وإيطاليا بنسبة 3.1%، والمملكة المتحدة بنسبة 1.8%، وفرنسا بنسبة 1.7%، واليابان بنسبة 1.1%، وألمانيا بنسبة 0.7%.
وفي الفترة نفسها، نما الاقتصاد الصيني بمعدل أسرع بأربعة أضعاف سرعة نمو كندا، وما يقرب من سبعة أضعاف سرعة إيطاليا، و11 مرة أسرع من المملكة المتحدة، و12 مرة أسرع من فرنسا، و18 مرة أسرع من اليابان، ونحو 29 مرة أسرع من ألمانيا.
ومن حيث متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي خلال هذه الفترة، بلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في الصين 4.7%، وكندا 1.3%، وإيطاليا 0.8%، والمملكة المتحدة 0.4%، وفرنسا 0.4%، واليابان 0.3%، وألمانيا 0.2%.
ولذلك نرى أن اقتصاد الصين تفوق بكثير على الاقتصادات الأخرى جميعها في مجموعة السبع، حيث بلغ متوسط معدلات النمو الاقتصادي السنوي لجميعها أقل من 1%.
نظرة على الوضع في الصين واقتصادات الجنوب العالمي
يمكن أيضاً إجراء مقارنة باستخدام توقعات صندوق النقد الدولي لشهر كانون الثاني 2024 مع «الاقتصادات النامية» الكبرى مثل مجموعة البريكس. وخلال السنوات الأربع الماضية، نما الناتج المحلي الإجمالي للصين بنسبة 20.1%، والهند بنسبة 17.5%، والبرازيل بنسبة 7.7%، وروسيا بنسبة 3.7%، وجنوب أفريقيا بنسبة 0.9%.
وتؤكد هذه البيانات أن اقتصادات «الجنوب العالمي» تنمو بشكل أسرع من معظم اقتصادات «الشمال العالمي»، وهو ما يشكل أحد معالم تغير موازين الاقتصاد الدولي.
أخيراً، يسلط هذا الأداء المتفوق من جانب الصين الضوء على ما هو ضروري لتحقيق أهدافها الاستراتيجية لعام 2035. ويعني معدل نمو الصين البالغ 4.6% الضروري لتحقيق هذه الأهداف أنه يجب عليها الاستمرار في الحفاظ على معدل نمو أعلى بكثير من الاقتصادات الغربية وهو ما تثبته البيانات من حيث القيمة الإجمالية بالإضافة إلى المقارنات الفردية للاقتصادات المذكورة أعلاه.
وفي حين يتعين على الصين أن تحقق معدل نمو سنوي متوسطه 4.6%، فإن متوسط معدل النمو للاقتصادات الغربية ذات الدخل المرتفع يبلغ 1.9% فقط، والولايات المتحدة 2.3%، والمتوسط للاقتصادات النامية 3.0%. وهذا يعني إمكانية تحقيق أهداف الصين لعام 2035، بحيث يجب أن تنمو الصين بسرعة تبلغ ضعفي سرعة الاتجاه طويل المدى في الولايات المتحدة، وبسرعة تبلغ ضعفي ونصف تقريباً سرعة متوسط الاقتصادات ذات الدخل المرتفع، وأكثر من 50% أسرع من متوسط الاقتصادات النامية. وبالنظر إلى البيانات المذكورة أعلاه فإن الصين تسير لتحقيق ما هو أكثر من هذا الهدف.
الكذب يرافق مرحلة نهاية الغطرسة الغربية
بالإضافة إلى التحليل الموضوعي للنتائج الاقتصادية لعام 2023، من الضروري أيضًا في ضوء هذا الوضع أن يرى المرء إلى أي درك وصلت إليه الصحافة الغربية، وخصوصاً الصحافة الأمريكية. حيث لا تعتبر أي من البيانات الواردة أعلاه سرية، فكلها متاحة من مصادر عامة يمكن الوصول إليها بسهولة. وفي كثير من الحالات، لا يتطلب الأمر أي حسابات ويمكن استخدام البيانات المنشورة ببساطة. لكن وسائل الإعلام والصحفيين الأمريكيين ينشرون معلومات مضللة بشكل منهجي وفي كثير من الحالات غير صحيحة.
وفي حين تخلفت عن الصين في خلق النمو الاقتصادي، كانت الولايات المتحدة بالتأكيد رائدة العالم في خلق «أخبار اقتصادية مزيفة».
وينبغي الإشارة إلى أن هنالك بعض الصحفيين والخبراء الغربيين الذين رفضوا الموافقة على هذا النوع من التشويه والأخبار المزيفة. على سبيل المثال، هاجم كريس جايلز، المعلق الاقتصادي في صحيفة فايننشال تايمز، في شهر كانون الأول الماضي بشدة «الطريقة السخيفة لمقارنة الاقتصادات». ولم يفعل جايلز ذلك بسبب دعمه للصين، بل لأنه حذر من أن نشر معلومات كاذبة أو مشوهة يؤدي إلى أخطاء جسيمة من جانب الدول التي تفعل ذلك».
إن ظهور تشويهات متطابقة ومعلومات كاذبة في وقت موحد عبر مجموعة واسعة جداً من وسائل الإعلام يوضح أن هنالك قراراً مركزياً في الأوساط الغربية لفعل ذلك، وكان التحريف والتشويه متعمداً وواعياً تماماً، بهدف إخفاء الوضع الحقيقي لدول الغرب.
دعمت الغطرسة الغربية هذا السلوك، وهي الغطرسة المتجذرة منذ قرون من سيطرة الدول الأوروبية والغربية على العالم، الغطرسة التي تؤمن أن الغرب لا بد أن يكون على حق. وعلى هذا، فإن مثل هذه الغطرسة جعلت من المستحيل الاعتراف أو الإبلاغ عن الحقائق الواضحة التي تؤكد أن اقتصاد الصين يتفوق كثيراً على الغرب.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1191