خفايا «صناعة» الأمبيرات في سورية: مناجم ذهبية من ظلام المنازل
تزامن انتشار ظاهرة «الأمبيرات» في دولٍ عدّة، مثل: نيجيريا ولبنان والعراق واليمن وغيرها، مع تراجعٍ كبير في دور الدولة وعجزها عن توفير الخدمات الأساسية لمواطنيها، فبرز نظام «الأمبيرات» بوصفه أحد الحلول «البديلة» لمواجهة أزمة الكهرباء المزمنة. وما بدأ في حينه كاستجابة ضرورية لانقطاع التيار الكهربائي، سرعان ما تحوَّل إلى صناعة ضخمة تدر المليارات إلى جيوب أصحاب المولدات الخاصة الذين استغلوا الفجوة التي خلقتها الدولة في هذا القطاع الحيوي. وسرعان ما وجد هذا النظام - الذي يفرض على المواطنين دفع مبالغ باهظة لقاء الحصول على الحد الأدنى من الكهرباء - طريقه إلى سورية خلال سنوات الحرب، إلى حدٍّ بتنا نرى فيه اليوم البعض ممن يدافعون عن هذه الظاهرة التي تعبِّر أساساً عن خرابٍ في دور الدولة.
بينما يعتبر البعض أن نظام الأمبيرات مجرد «حل مؤقت» لسد الفجوات التي يتركها الغياب شبه الكلي للكهرباء الحكومية، يذهب آخرون إلى التساؤل عما إذا كان يمكن أن يتحول إلى بديلٍ جدي ودائم. في هذا المقال، سنحاول الإجابة عن سؤالين محوريين: هل يمكن لنظام الأمبيرات أن يكون بديلاً حقيقياً وفعّالاً للكهرباء الحكومية؟ وما هي تقديرات الأرباح التي يجنيها أصحاب المولدات الخاصة من استغلال حاجة الناس الملحة للكهرباء؟
8 أضعاف الحد الأدنى الرسمي للأجور!
في حساب التكلفة الشهرية للأمبيرات بالنسبة للعائلة السورية، سنحاول أن نعتمد دائماً على الحد الأدنى في جميع جوانب العملية الحسابية. ووفق هذا السيناريو، سنعتبر أولاً أن نظام كهرباء الدولة ثابت على نظام (4 ساعات قطع، وساعتي وصل)، ثم سنعتبر أن الأجهزة جميعها التي سيتم تشغليها في المنزل تتمتع بأفضل معايير توفير الطاقة وفقاً للمتوفر منها في السوق السورية حتى تاريخ منتصف شهر آب 2024. وبناءً عليه، سنحدد احتياج الأسرة على الشكل التالي: براد واحد لمدة 6 ساعات (1500 واط يومياً)، وشاشة LED واحدة لمدة 6 ساعات أيضاً (360 واط يومياً)، وثلاث لمبات توفير (ميتال أو نيون ليد) لمدة 8 ساعات (720 واط يومياً)، ومروحتان لمدة 15 ساعة (2100 واط يومياً)، وشاحن لابتوب متوسط لمدة 5 ساعات (500 واط يومياً).
وفقاً لهذا الحساب - الذي يتجاهل الكثير من الأجهزة الضرورية الأخرى في المنزل - فإن مجموع الاستهلاك اليومي للأسرة يصل إلى نحو 5.2 كيلو واط يومياً. وعلى افتراض أن سعر الكيلو واط ساعي الواحد يعادل 14 ألف ليرة سورية (الوسطي السوري بين 9,000 و19,000 ليرة حسب المحافظة والمنطقة) فإن فاتورة الاستهلاك اليومي للأسرة ستصل إلى 72,800 ليرة سورية يومياً و2,184,000 ليرة شهرياً أي نحو 8 أضعاف الحد الأدنى الرسمي للأجور في سورية والبالغ 278,910 ليرة شهرياً. وبالطبع، فإننا نتحدث هنا عن تكلفة الاستهلاك بالحدود الأكثر تدنياً. أما الاعتماد الكلي على الأمبيرات، ووفقاً للتقديرات الحكومية حول الاستهلاك الأكثر شيوعاً لدى الأسرة السورية، والبالغ 1000 كيلو واط كل دورة (500 كيلو واط شهرياً)، فإنه سيصل بالتكلفة إلى حدود هائلة تقارب 7 ملايين ليرة سورية شهرياً.
بهذا المعنى، فإنه بالنسبة للشريحة الأكبر من الشعب السوري، يُعتبر نظام الأمبيرات خياراً إنقاذياً إسعافياً وطارئاً، يضمن لها الحد الأدنى من الاستمرار في الحياة اليومية في ظل انقطاع الكهرباء المستمر، حيث يجد السوريون أنفسهم مجبرين على اللجوء إلى هذا النظام لتشغيل عدد محدود جداً من ضروريات المنزل ويتعاملون معه بوصفه «شر لا بد منه»، ولا يرونه بأي حالٍ من الأحوال بديلاً عن الكهرباء الحكومية.
الربح الصافي للكيلو: 152%
بطبيعة الحال، تدرّ هذه «الصناعة المستجدة» في سورية المليارات إلى جيوب أصحاب الحظوة والنفوذ. ولنستطيع تقدير الأرباح التي يجنيها هؤلاء، طلبنا المساعدة والمشورة من أشخاص عاملين في هذا المجال تحديداً وشاركوا في تركيب وصيانة المولدات الخاصة، وكذلك من أشخاص أصحاب خبرة في السوق وتوريد المواد اللازمة لتشغيل منظومات الأمبيرات.
سنفترض أن صاحب المولدة الخاصة قد اتبع أعلى المعايير في إنشاء منظومته، واستقدم أفضل القطع والأجهزة واللوازم الضرورية لهذه المنظومة، وبناءً على ذلك يمكننا حساب التكلفة التي سيتحملها:
أولاً، سنقول إنه اشترى مولدة من طراز Perkins باستطاعة 200 KVA، وهي واحدة من أفضل أنواع المولدات في السوق السورية، وتتمتع بأعلى المواصفات الفنية (مولدة أساسية وليست تجميعاً سورياً، مع كاتم صوت ولوحة تحكم إلكتروني)، وتستطيع أن تنتج استطاعة عظمى فعلية (170 كيلو واط)، وبحال تشغيلها وفق شروط الراحة يمكن استجرار 70% من استطاعتها، أي أنها تنتج نحو 120 كيلو واط، وسعرها في السوق يقارب 420 مليون ليرة سورية، وعمرها الوسطي يصل إلى 5 سنوات بحال العمل 15 ساعة يومياً وبشروط الصيانة الدورية (ملاحظة: بعد خمس سنوات، سيحتاج المحرك إلى عمرة للصيانة وتبديل للقطع، تصل التكلفة التقديرية لها بحدود 100 مليون ليرة سورية، لكننا لن نقوم بحسابها لأن صاحب المولدة يستطيع بعد عشر سنوات أن يبيعها بربع ثمنها، أي أنه يستطيع استعادة تكلفة العمرة ببساطة)، وخلال 10 سنوات يفترض أن تنتج المولدة 6.57 غيغا واط ساعي، لكننا سنفترض أنها ستنتج فقط 5.5 غيغا واط ساعي بسبب ساعات الصيانة والتوقف الاضطراري وغير ذلك. وبهذا تكون تكلفة الكيلو واط الساعي لاستعادة رأس مال المولدة هو 75 ليرة سورية.
وتحتاج المولدة لنحو 40 ليتر مازوت كل ساعة، سعرها يصل إلى 600,000 ل.س (على اعتبار أن عملية الشراء تمت حسب أعلى سعر في السوق السوداء)، وهذا يزيد إلى تكلفة الكيلو واط الساعي نحو 5000 ليرة سورية.
كما تحتاج المولدة لتبديل زيت التبريد كل 200 ساعة عمل، ينتج المحرك خلالها 24,000 كيلو واط ساعي، وفي حال استخدام أفضل الزيوت من النوع الأول، فإن سعر كمية 40 كيلو غرام من الزيت تصل إلى 3 ملايين ليرة سورية، وهو ما يزيد تكلفة الكيلو الواط الساعي بنحو 125 ليرة.
وكذلك يجب تبديل المصافي كل 400 ساعة عمل، بكلفة لا تتجاوز الـ500.000 ل.س، لتزيد تكلفة الكيلو واط الساعي بنحو 10 ل.س.
وسنضيف إلى ذلك، أجرة المكان والموظفين والعمال وفنيي الصيانة... إلخ، والتي لا تتجاوز شهرياً 10 ملايين ليرة سورية، لترتفع تكلفة إنتاج الكيلو الواط الساعي بنحو 185 ل.س. وسنضيف ثمن قطع تبديل طارئة (مثل البطارية وحساس الحرارة، والفلتر... إلخ) بشكل دوري، وبحدود 6 ملايين ليرة شهرياً، وهو ما يرفع تكلفة الكيلو واط الساعي بنحو 110ل.س.
وأخيراً، ثمن تمديد كابلات لمسافة 2 كيلو متر (أربع خطوط، 35 مم ألمنيوم) مع التابلوهات وأجور عمال التمديد والتي لن تتجاوز 300 مليون ليرة بأقصى التقديرات، ما يرفع تكلفة الكيلو واط الساعي بنحو 50 ل.س.
وبهذا نجد أن تكلفة الكيلو واط الساعي على أصحاب المولدات لا تتجاوز - وفقاً لأقصى الحسابات - حاجز الـ5,555 ليرة سورية، بينما يجري بيعها للناس بمبلغ وسطي هو 14,000 ليرة. أي أن نسبة الربح الصافي تصل إلى حدود 152%.
هذا يعني أن الربح الصافي لكل كيلو واط ساعي يصل إلى 8,445 ليرة سورية. وبمزيد من الحساب، تصل أرباح أصحاب المولدات (من مولدة واحدة فقط) إلى 4.6 مليار ليرة سورية سنوياً، ونحو 46,4 مليار ليرة على مدار السنوات العشر.
هذا على افتراض أن أصحاب المولدات قد اتبعوا أعلى المعايير، فإلى أي حد ستصل الأرباح إذا أخذنا بالاعتبار أن أصحاب المولدات لا يلتزمون باستخدام المواد الأفضل، ويميلون لتقليص النفقات إلى الحد الأقصى، ويتلاعبون بساعات الوصل والقطع، وفوق ذلك هنالك من يهمس بأن بعض أصحاب الحظوة لا يستخدمون المولدات إلا صورياً ويعتمدون في تغذية زبائنهم على ما يسمى بـ«الخطوط الذهبية» وغيرها..
أخيراً، وللمقارنة، فإن سعر الكيلو واط الساعي وسطياً في سورية يعادل 0.9 دولار تقريباً، بينما في لبنان يصل الوسطي إلى 0.4 دولار فقط.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1189