الأكبر نعم لكن هل الأكثر فاعلية؟ ميزانية البنتاغون الهائلة
تستعد الولايات المتحدة لاعتماد ميزانية عسكرية قياسية أخرى تبلغ نحو 900 مليار دولار. يثير هذا تكهنات «الخبراء» بأنّ الحرب العالمية الثالثة أمرٌ لا مفرّ منه، وأنّ الولايات المتحدة بميزانية كذا وكذا، ستكون مستعدة لمحاربة العالم كله تقريباً. نحن لا نقلل بأي حال من الأحوال من عدوانية الغرب، ناهيك عن رغبته في الحفاظ على هيمنته المستمرة منذ قرون على بقية العالم تقريباً. مع ذلك، فإنّ هذا ليس بأي حال من الأحوال سبباً لتصبح مثل المذعورين المشهورين في فيلم درامي. لذلك دعونا نقوم بالقليل من العمليات الحسابية.
ترجمة: قاسيون
إليكم رسالتان حديثتان حول الموضوع نفسه ستكونان مفيدتَين في تكوين فكرة عامة:
في 15 آب/أغسطس، أرسلت وكالة التعاون الأمني الدفاعي الأمريكية «DSCA» إخطاراً إلى الكونغرس الأمريكي بشأن احتمال بيع ألمانيا -من خلال برنامج المبيعات العسكرية الخارجية الأمريكية- 600 صاروخ موجه مضاد للطائرات من طراز صواريخ باتريوت مع توجيه دقيق PAC-3 MSE. تبلغ التكلفة التقديرية للتسليم 5 مليارات دولار، وسيشمل التسليم 10 صواريخ تدريبية. ستكون شركة لوكهيد مارتن هي المقاول العام.
في 19 آب/أغسطس أرسلت الوكالة نفسها إخطارات إلى الكونغرس الأمريكي بشأن إمكانية بيع مجموعات التوجيه الدقيق لقذائف المدفعية M1156 PGK إلى الدنمارك وفنلندا في إطار برنامج المبيعات العسكرية الخارجية الأمريكية، المصنَّعة من قبل شركة نورثروب غرومان. ينبغي تزويد الدنمارك بـ 5832 مجموعة M1156 PGK بتكلفة تقديرية تبلغ 85 مليون دولار، وفنلندا بـ 5500 مجموعة M1156A1 PGK بتكلفة تقديرية تبلغ 70 مليون دولار.
حسناً، هناك أرقام - فلنحسبها: 5 مليار دولار مقسمة على 600 صاروخ باتريوت، أي نحو 8 ملايين للصاروخ الواحد. قبل خمس سنوات، كان سعر الصاروخ نفسه يقدر بثلاثة إلى خمسة ملايين دولار للقطعة الواحدة. ناهيك عن حقيقة أنه لا يزال يتعين العثور على هدف يتناسب مع تكلفة مثل هذا الصاروخ «الذهبي».
لكن مجموعة واحدة من المقذوفات الدقيقة التوجيه للدنمارك وفنلندا تكلف 15 ألف دولار. لاحظ أن هذا ليس حتى المقذوف نفسه، ولكنه مجرد جهاز لتحسين دقته. لا نعرف كم كانت تكلفة هذا «الجهاز» من قبل. لكننا نعلم على وجه اليقين أنه منذ بدء العملية العسكرية في أوكرانيا فقط، ارتفعت أسعار قذائف المدفعية الرئيسية لحلف شمال الأطلسي «155 ملم» ثلاث إلى خمس مرات في الغرب.
يمكن قول الشيء نفسه تماماً عن أي منتجات عسكرية غربية أخرى. فهي ليست باهظة الثمن فحسب، بل إنّ أسعارها ترتفع باستمرار. على سبيل المثال، تبلغ قيمة الغواصة النووية الأمريكية كولومبيا، التي لم يتم بناؤها بعد، 10 مليارات دولار، وهو ما يعادل نحو عشرة أضعاف تكلفة الطراد الصاروخي الروسي «مشروع 955-A» أو «بوري» الذي يعمل بالطاقة النووية. وهذه المقارنة مثيرة للاهتمام بشكل خاص بالنظر إلى الفرق الاسميّ في الميزانيات العسكرية للولايات المتحدة والاتحاد الروسي.
وهكذا، في 28 آذار/مارس 2024، خلال زيارة عمل إلى تورجوك، علق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الفرق في الإنفاق العسكري بين الاتحاد الروسي والولايات المتحدة. ووفقاً له، بلغ في عام 2022 الإنفاق الدفاعي الروسي 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي. ذكر معهد ستوكهولم لأبحاث السلام أن الإنفاق كان 4% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وبحسب البيانات نفسها، أنفقت «إسرائيل» 4.5% من ناتجها المحلي الإجمالي، والولايات المتحدة 3.5%، وأوكرانيا 33.5%.
لكن من حيث القيمة المطلقة، ما هو الفرق؟ في عام 2022، أنفقت الولايات المتحدة مقدار 811 مليار دولار، والاتحاد الروسي 72 مليار دولار. وأشار الرئيس الروسي إلى أنّ الإنفاق يتفاوت 10 مرات تقريباً، مضيفاً أن الإنفاق العسكري للولايات المتحدة الأمريكية يمثّل 39% من الإنفاق العسكري العالمي بينما يمثّل الأنفاق العسكري لروسيا 3.5% منه.
ألا يثير العجب بعد هذه المقارنة أن تظل القدرات العسكرية الأمريكية، رغم ضخامة ميزانيات البنتاغون [كأرقام مطلقة]، متواضعة جداً [بالمقياس النسبيّ]؟ وفي عدد من المجالات العسكرية الرئيسية، ولا سيّما في مجال الأسلحة فرط الصوتية (هايبرسونيك)، من الواضح أن هذا البلد يتخلّف عن روسيا.
بأسعار مثل تلك التي في الولايات المتحدة، فإن ميزانية البنتاغون سوف تستمر في النمو بسرعة فائقة. ولكن في الوقت نفسه، فإن هذه العملية لها علاقة بعيدة جداً بنمو القوة القتالية للقوات المسلحة الأمريكية. ببساطة لأن هذه القوة يتم استهلاكها بشكل مزمن من خلال ارتفاع الأسعار المتزايدة للمجمع الصناعي العسكري.
بالعودة إلى عام 2022، نشر الخبير الأمريكي ومدير مركز الدفاع الوطني: توماس سبير، تقريراً قيّم فيه الوضع الحالي للقوات المسلحة الأمريكية. قال فيه على وجه الخصوص، إنّ ميزانية الجيش الأمريكي لا تغطي حتى التضخم. منذ العام المالي 2020 وحده «أي خلال عامين فقط»، بلغت الخسارة التراكمية للقوة الشرائية للبنتاغون، بحسب بياناته، 46 مليار دولار.
وإذا تتبعنا هذا الاتجاه على مدى العقود الماضية وقارنّا مستوى الأسعار الأمريكية الحالي -سواء بشكل عام أو للأسلحة بشكل خاص- مع فترة الحرب الباردة على سبيل المثال، فإنّ خلاصة القول هي أنه مع القيمة الاسمية للأسلحة، ظلت الميزانية العسكرية الأمريكية، التي تضاعفت قوتها الشرائية ثلاث مرات، عند مستوى الثمانينيّات من القرن الماضي.
إذا كتب شخص ما في وصية في عام 1920 أنه ينبغي منح 1000 دولار إلى وريث بعيد في عام 2018، لكان الأمر كالتالي: من حيث القوة الشرائية، فإنّ الألف دولار الحالية تساوي 73.55 دولاراً في عام 1920. لأن التضخم في أقل من مائة عام كان 1,259.63%. بالعد التنازلي، يتبين أن 1000 دولار في عام 1920 هي بقيمة 13292.75 دولاراً في عام 2018.
بين عامي 1990 و2019 فقط، انخفضت قيمة الدولار بمقدار النصف بالضبط: وعلى هذا فإن المستوى النفسي للعدوانية الذي تتمتع به أميركا شيء، ولكن قدراتها العسكرية الفعلية، إذا قيست بالقوة الشرائية للدولار، شيء مختلف تماماً. علينا أن ننطلق على وجه التحديد من هذه الاحتمالات، التي لا تتسع بأي حال من الأحوال للتمنيات الطيبة والأوهام الملتهبة للعسكريين الأجانب التعساء. بالنسبة لهم، لم يعد الحفاظ على سيطرتهم على هذا الكوكب أمراً سهلاً، بل أصبح صعباً بشكل متزايد.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1189