بنغلاديش: أزمة الديون في «الجنوب العالمي» تشتد
مايكل روبرتس مايكل روبرتس

بنغلاديش: أزمة الديون في «الجنوب العالمي» تشتد

إنّ الإطاحة بحكومة الشيخة حسينة في بنغلاديش على يد الطلاب والشعب منذ بضعة أسابيع هي نتيجة مذهلة للكابوس الاقتصادي الذي تعيشه الآن العديد ممّا يسمى بالاقتصادات النامية: التجارة الراكدة، وارتفاع تكاليف فوائد الديون، والتقشف الشديد الذي يفرضه صندوق النقد الدولي ورأس المال الخاص في مقابل «المساعدات المالية».

ترجمة: قاسيون

كانت بنغلاديش تعتبر قصة نجاح اقتصادي حتى سقوط الحكومة - على الأقل في وسائل الإعلام الغربية وبين خبراء الاقتصاد السائدين. كان صندوق النقد الدولي يتوقع أن يتجاوز الناتج المحلّي الإجمالي لبنغلاديش قريباً نظيره في الدنمارك أو سنغافورة. كان نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي فيها بالفعل أكبر من نصيب الفرد في الهند المجاورة. كان متوسط ​​نمو الناتج المحلّي الإجمالي للبلاد على مدى العقد الماضي، وفقاً لإحصاءات الحكومة، حوالي 6.6%. وفي أواخر أبريل/نيسان من هذا العام، قدّر البنك الدولي أن بنغلاديش ستنمو بنسبة 5.6% هذا العام، بقيادة صناعة الملابس الناجحة للغاية، والتي تعتمد على ورش العمل الرخيصة لكسب حصة في السوق العالمية، والتي تمثّل أكثر من 80% من صادرات البلاد. كانت الحكومة تتوقّع أنه بحلول عام 2025، ستنتج المصانع البنغلاديشية 10% من الملابس في العالم.
لكن تحت السطح، كان صعود الاقتصاد قائماً على تعثّر ربحية رأس المال في بنغلاديش. بدأ التعافي النسبي في الربحية بعد الركود العالمي العظيم في عامي 2008 و2009 في الانعكاس منذ عام 2013، ممّا أدّى إلى الركود الناجم عن الجائحة في عام 2020.
لكنّ الأزمة جاءت سريعاً هذا العام. ففي غضون أسابيع من صدور تقرير البنك الدولي المتفائل في إبريل/نيسان، ظهرت الحقيقة: كان الاقتصاد يتدهور بسرعة. كانت مشاريع البنية الأساسية الضخمة تفشل وتستنزف الموارد، وتعاني من الفساد. كما أدت تكاليف الفائدة المرتفعة على الاقتراض، وارتفاع التضخم، وانخفاض الطلب على الصادرات إلى دفع العديد من الشركات إلى التخلف عن سداد ديونها، حيث تجاوزت القروض المتعثّرة عشرين مليار دولار أميركي. ووزّعت الحكومة إعانات ضخمة «مليارات الدولارات» على الشركات الخاصة لضمان تغطية الكهرباء في البلاد. ازدهر المساهمون الأثرياء واستغلّوا الفرصة لاستنزاف ثرواتهم خارج البلاد، في حين تراجعت التحويلات المالية من البنغاليّين العاملين في الخارج.
وعلى النقيض من الأغنياء، عانى أغلب سكان البلاد البالغ عددهم 170 مليون نسمة. وأغلب العاملين في صناعة الملابس في بنغلاديش من النساء «50-80%». تكسب أغلب النساء الحد الأدنى للأجور: نحو 80 دولاراً شهرياً. ومع ارتفاع أسعار المواد الغذائية، فإنّ هذا لا يكفي بأيّ حال من الأحوال. تقول رئيسة جمعية تضامن عمال الملابس في بنغلاديش: «كل السلع اليومية مثل الأرز والبيض والخضروات - كل شيء أصبح أكثر تكلفة. وكذلك سعر الغاز للطهي في المنزل والكهرباء في المصانع. لذا فإنّ هذه مشكلة كبيرة بالنسبة للعمال والصناعة».
كشف مسح أجرته هيئة الإحصاء في منتصف عام 2023 أن نحو 37.7 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي المتوسط ​​إلى الشديد في البلاد. كما أنّ أكثر من ربع الأسر تقترض لتغطية تكاليف الضروريات اليومية، بما في ذلك الغذاء. وأظهر مسح أجرته شبكة جنوب آسيا للنمذجة الاقتصادية البحثية، أنّ 28% من الأسر لجأت إلى اقتراض المال من أجل البقاء. وتضاعف متوسط ​​مبلغ القروض لكل أسرة في البلاد تقريباً بين عامي 2016 و2022.
سجّلت بنغلاديش زيادات في متوسط ​​العمر المتوقع لعقود من الزمن. وفي عام 2020، وصل إلى 72.8 عاماً، وهو أعلى مستوى حتى الآن. ولكن منذ ذلك الحين، انكسر نمط النمو. ومنذ عام 2021، كان هناك انخفاض إلى 72.3 عاماً. كما ارتفع معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة والمواليد الجدد والأطفال دون سن عام واحد .
كان هناك انخفاض في عدد الطلاب على مستوى المدرسة الثانوية وزيادة في «غير الملتحقين بالعمل أو التعليم أو التدريب» بين الشباب. وفقاً لـ BSVS-2023، ارتفعت حصة الذين تتراوح أعمارهم بين خمسة أعوام وأربعة وعشرين عاماً غير الملتحقين بالمؤسسات التعليمية منذ جائحة كوفيد-19. في عام 2020، عند بداية الوباء، كان 28% خارج المؤسسات التعليمية؛ وبحلول عام 2023، وصلت الحصة إلى 41%! حوالي 40% لم يكونوا في المدرسة ولا في العمل، بزيادة 10% في ثماني سنوات. اندلعت الاحتجاجات الطلابية التي أسقطت الحكومة بسبب نظام حصص الوظائف الذي خصص 30% من الوظائف الحكومية لأسر قدامى المحاربين في حرب عام 1971. وطالب المتظاهرون بنظام قائم على الجدارة بدلاً من التحاصص.
في يونيو/حزيران 2024، اعترف صندوق النقد الدولي بأنّ «أسعار السلع الأساسية العالمية المرتفعة باستمرار والتشديد المالي العالمي المستمر أدى إلى تضخيم نقاط الضعف الاقتصادية الكلّية». انخفضت احتياطيات النقد الأجنبي بشكل حاد بسبب التدخلات لدعم التاكا، عملة بنغلاديش. انخفضت احتياطيات النقد الأجنبي من 46 مليار دولار في عام 2021 إلى 19 مليار دولار فقط. وانخفضت قيمة التاكا بأكثر من 20% مقابل الدولار الأميركي، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع تكاليف فوائد الدين الخارجي. ودخل الحساب الخارجي في عجز بلغ 4% من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً.
واضطرّت الحكومة إلى اللجوء إلى صندوق النقد الدولي طلباً للمساعدة. وافق الصندوق على حزمة صغيرة بقيمة 3.3 مليار دولار في أوائل عام 2023. تمّ رفع هذا المبلغ هذا العام إلى 4.7 مليار دولار بهدف تخفيف الضغوط على سعر الصرف. وسلّم صندوق النقد الدولي 1.1 مليار دولار في يونيو/حزيران.
لكنْ الآن كلّ شيء في حالة تغيّر مستمر. فبعد محاولةٍ وحشيّة لقمع الاحتجاجات من قبل الجيش والشرطة والتي قتلت أكثر من 300 شخص، فرّت حسينة أخيراً من البلاد. تمّ تشكيل حكومة مؤقَّتة بقيادة الخبير الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل للسلام محمد يونس لقيادة حكومة مؤقَّتة. ولكن ليس من المتوقَّع حدوث أي تحسن في ظل إدارته. سوف يلجأ يونس مرة أخرى إلى صندوق النقد الدولي للحصول على الدعم وفي المقابل سيفرض صندوق النقد الدولي تدابير تقشفية صارمة.
إنّ الأزمة الاقتصادية في بنغلاديش تتكرّر في مختلف أنحاء الجنوب العالمي – في كينيا حيث اندلعت أعمال شغب لإلغاء الزيادة الضريبية التي طالب بها صندوق النقد الدولي، وفي باكستان حيث لجأت الحكومة للمرة السابعة إلى صندوق النقد الدولي للحصول على التمويل، وفي مصر التي أصبحت على وشك التخلف عن سداد ديونها، وفي نيجيريا حيث يسود الجوع، وبالطبع في الأرجنتين.
يفرض صندوق النقد الدولي رسوماً إضافيّة على أيّ مَدين يفشل في السداد في الموعد المحدَّد، ممّا يجعل سداد القرض أكثر صعوبة. تَضاعَف عددُ البلدان التي تدفع رسوماً إضافية سنوياً ثلاث مرات تقريباً في 5 سنوات، من 8 بلدان في عام 2019 إلى 23 بلداً في عام 2024. وعلى مدى السنوات الست الماضية، فرض صندوق النقد الدولي رسوماً إضافية بقيمة 7 مليارات دولار.
تشير تقديرات مركز البحوث الاقتصادية والاجتماعية إلى أنّ صندوق النقد الدولي سوف يفرض بحلول عام 2033 رسوماً إضافية تبلغ نحو 13 مليار دولار. وسوف تبلغ ديون الأرجنتين وحدها نحو 6 مليارات دولار، تليها أوكرانيا، التي يبلغ دينها نحو 3 مليارات دولار. وفي المتوسط، سوف تمثّل الرسوم الإضافية 26% من إجمالي الرسوم والفوائد المفروضة على البلدان التي تدفع الرسوم الإضافية. بالنسبة لبعض المقترضين، مثل كوستاريكا والإكوادور، سوف تمثّل الرسوم الإضافية أكثر من ذلك.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1190
آخر تعديل على الأربعاء, 11 أيلول/سبتمبر 2024 23:18