بعد دورة الحزب الشيوعي.. ما الخطة الاقتصادية الجديدة في الصين؟
انتهت الدورة المكتملة الثالثة للحزب الشيوعي الصيني الأسبوع الماضي. الدورة المكتملة هي اجتماع للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني المكونة من 364 عضواً، والتي تناقش السياسة الاقتصادية للصين على مدى السنوات العديدة القادمة. لكن ماذا تخبرنا الدورة الثالثة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بشأن السياسات الاقتصادية في الصين؟
ترجمة: قاسيون
ليس الكثير مما لم نكن نعرفه بالفعل. وفقاً للبيان الصحفي الصادر عن وسائل الإعلام الرسمية، اتفقت الدورة الثالثة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني على أن السياسة الاقتصادية لا بد وأن تركّز على تحقيق جولة جديدة من «الثورة العلمية والتكنولوجية والتحول الصناعي»، على الطريقة الصينية. في العقد المقبل، «سوف يشكّل التعليم والعلوم والتكنولوجيا والمواهب الدعم الأساسي والاستراتيجي لتحديث الصين».
يبدو أن زعماء الحزب الشيوعي الصيني يسعون إلى دعم النمو الاقتصادي، وتحقيق كل أهدافهم الاجتماعية المعلنة من خلال ما أطلقوا عليه «النمو النوعي». لقد انتهى التوسع الاقتصادي الذي كان يتم بشكل رئيسي من خلال استخدام العمالة الوفيرة القادمة من الريف إلى المدن للعمل في التصنيع وتطوير العقارات والبنية الأساسية. لقد انتهى هذا التوسع منذ بعض الوقت، وبدأ التوسع الحضري يتباطأ.
لكنّ الاقتصاد الصيني ارتفع بشكل صاروخي بفضل الزيادة الهائلة في الاستثمار الإنتاجي في الصناعة والقطاعات الموجهة للتصدير. لكن هذا أيضاً بلغ ذروته إلى حدّ ما منذ «الركود الكبير» في عامي 2008 و2009. كما أثّر التباطؤ الاقتصادي العالمي والركود في الاقتصادات الكبرى منذ ذلك الحين - وهو ما أسميته «الكساد الطويل» ــ على معدل النمو الاقتصادي في الصين.
تباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الصين منذ «الركود الكبير»، على الرغم من أن الاقتصاد لا يزال يتوسّع بمعدّل حوالي 5% سنوياً، وهو أكثر من ضعف سرعة الاقتصاد الأمريكي، الأفضل أداءً بين أكبر سبعة اقتصادات رأسمالية.
لكن هناك أسباب أخرى لتباطؤ النمو، بما في ذلك الإرهاق النسبي للعمالة في المناطق الريفية، فضلاً عن توسع الاستثمار غير المنتج في العقارات، والذي انتهى في نهاية المطاف إلى انهيار سوق العقارات الذي لا يزال قيد الإدارة. وكما زعمت في العديد من المقالات السابقة، كان هذا نتيجة للخطأ السياسي الفادح الذي ارتكبته الحكومة الصينية في تسعينيات القرن العشرين في محاولة تلبية احتياجات الإسكان للسكان الحضريين من خلال القطاع الخاص: أي شراء المساكن، بتمويل الرهن العقاري وبنائها من قبل مطورين من القطاع الخاص. وقد أدى هذا النموذج السكني المستخدم في الغرب إلى اندلاع الأزمة المالية العالمية في عام 2008، وأدى في نهاية المطاف إلى ركود مماثل في سوق العقارات في الصين.
لكنّ القضيّة الرئيسية التي تواجهها الدورة الثالثة للحزب هي «التحدي الديموغرافي»، ذلك أن عدد سكان الصين، مثل العديد من البلدان الأخرى، من المتوقع أن ينخفض على مدى الجيل القادم. كما أنّ عدد سكانها في سن العمل سوف ينخفض أيضاً. إنّ النمو الاقتصادي وتحسين مستويات المعيشة سوف يعتمدان بشكل متزايد على رفع إنتاجية القوى العاملة، وقد زعمتُ في مقالات سابقة أن تحقيق هذا الهدف ممكن تماماً.
إنّ بنك الاحتياطي الفيدرالي في دالاس يُظهر أنّ «إنتاجية العوامل الكلية» في الصين- وهي مقياس أولي للابتكار- تنمو بمعدل 6% سنوياً، في حين أنها كانت في انخفاض في الولايات المتحدة. ورغم أن النمو أبطأ إلا أنه لا يزال أسرع كثيراً من النمو الاقتصادي في مجموعة الدول السبع الكبرى، ويستند إلى النجاح التكنولوجي. يمكننا التنبؤ بالحلول التي يجب على الصين اتباعها للتخلّص من بعض المشكلات التي تواجهها.
1- يشكّل حجم البطالة بين الشباب في الصين تحدياً خطيراً. هناك عدم توافق حاد بين طلاب الدراسات العليا الشباب الباحثين عن وظائف عالية الأجر في قطاع التكنولوجيا الفائقة، في حين تظل فرص العمل المتاحة متركزة في وظائف أقل مهارة وأقل أجراً. هذه مشكلة تواجهها العديد من الاقتصادات، بما في ذلك الاقتصادات الرأسمالية المتقدمة. يبدو لي أنّ الحلّ يكمن في توسيع قطاعات التكنولوجيا الفائقة، ولكن أيضاً في إعادة تدريب الشباب على وظائف أخرى.
2- كان الركود العقاري حاداً. ولكن ليس من السيئ أن تهبط أسعار العقارات بشكل حاد حتى تصبح المساكن في متناول الجميع. الحل هنا لا بد أن يكون توسيع الإسكان العام، وليس المزيد من التطوير الخاص.
3- فيما يتصل بقضية الديون، من الصحيح أن نسب الاستدانة في الصين ارتفعت بشكل حاد في العقود الماضية، ولكنها قابلة للإدارة، وخاصة أن أغلب الديون تتركز في قطاعات الحكومة المحلية، وبالتالي يمكن إنقاذها من قِبَل الحكومة المركزية. لدى الصين نظام مصرفي حكومي، وشركات مملوكة للدولة، واحتياطيات ضخمة من النقد الأجنبي لتغطية أي خسائر.
يزعم الإعلام والاقتصاديون الغربيون ضرورة «إعادة التوازن»، وهو ما يعني تحوّل الصين من الاقتصاد الحالي الذي يقوده الاستثمار ويوجهه التصدير وتديره الدولة، إلى اقتصاد يقوده المستهلك، ويقوده القطاع الخاص. يقول إسوار براساد، أستاذ السياسة التجارية في جامعة كورنيل، والرئيس السابق لقسم الصين في صندوق النقد الدولي: «إنّ الاقتصاد الصيني يترنح. هناك حاجة ماسّة إلى المزيد من الحوافز لتعزيز الإنفاق، والإصلاحات الاقتصادية لإحياء ثقة القطاع الخاص في الصين».
لكن بالنسبة لي، فإن محاولة تعزيز الإنفاق الاستهلاكي، وتوسيع القطاع الخاص، ليس ما ينبغي للدورة الكاملة الثالثة أن تهدف إليه. الواقع أن البيان الصادر عن الدورة الكاملة الثالثة يذكرنا بأن الصين لا تزال لديها خطط، وليس التخطيط المركزي الذي كان قائماً في نهاية الاتحاد السوفييتي، بل «التخطيط الإرشادي» الذي يحدد الأهداف للعديد من القطاعات.
تتطوّر الصين بسرعة نحو «اقتصاد جديد» يعتمد على قطاعات التكنولوجيا ذات القيمة المضافة العالية. وقد تجاوز نمو هذه القطاعات بشكل كبير نمو الناتج المحلي الإجمالي الرئيسي في السنوات الأخيرة. ففي الفترة من عام 2017 إلى عام 2023، نما «الاقتصاد الجديد» بمعدل 10.2% سنوياً، وهو معدل أسرع كثيراً من متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي البالغ 5.5%
وكما جاء في مقال في صحيفة «آسيان تايمز»: «إنّ الرواية الشائعة التي تتداولها الصحافة التجارية الغربية هي أن الصناعات المدعومة في الصين تدمّر قيمة المساهمين لأنها غير مربحة - من العقارات السكنية إلى السكك الحديدية عالية السرعة إلى المركبات الكهربائية إلى الألواح الشمسية. لكن ما تريده الصين من BYD وJinko Solar (والولايات المتحدة من Tesla وFirst Solar) يجب أن يكون مركبات كهربائية وألواح شمسية بأسعار معقولة، وليست أسهماً بقيمة سوقية تبلغ تريليون دولار. في الواقع، تشير تقييمات القيمة السوقية الضخمة إلى أن شيئاً ما قد حدث بشكل خطير. هل نريد حقاً مليارديرات التكنولوجيا أم نريد التكنولوجيا؟ القيمة لا يتم تدميرها، فهي تعود للمستهلكين بأسعار أقل وجودة أعلى و/أو منتجات وخدمات أكثر ابتكاراً».
هذا واضح للغاية في الاستثمار البيئي، إذ انخفضت كثافة الكربون في الصين بوتيرة غير مسبوقة، والمنتجات بمتناول الناس.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1185