الاقتصاد العالمي راكدٌ بسبب الاقتصادات الكبرى!
مايكل روبرتس مايكل روبرتس

الاقتصاد العالمي راكدٌ بسبب الاقتصادات الكبرى!

الأسبوع الماضي، أصدر البنك الدولي أحدث توقعاته الاقتصادية العالمية. يعتقد خبراء الاقتصاد في البنك الدولي: أن الاقتصاد العالمي «يستقر في عام 2024، وهي المرة الأولى منذ ثلاث سنوات. لقد تجنّب الاقتصاد العالمي الركود التام في عام 2023 الذي توقعه الكثيرون، وهو الآن يحقق «هبوطاً ناعماً». سيكون نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي العالمي 2.6٪ في عام 2024، وهو معدل عام 2023 ذاته، وسيرتفع قليلاً إلى 2.7٪ العام المقبل.

ترجمة: قاسيون

إنّ مصطلح «الهبوط الناعم» غريب بعض الشيء. فأنا أتصور أنه يعني أن الاقتصاد العالمي لم يهبط على المدرج، بل استقر على نحو خفيف. ولكن في واقع الأمر لم يحدث هبوط على الإطلاق ــ إذا كنا نعني بذلك هبوطاً، أو انكماشاً في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي على مستوى العالم. وعلى أيّ حال، باستخدام مقولة أخرى، فإن الاقتصاد العالمي في واقع الأمر «بيضة قسيس»، وهو مصطلح قديم لوصف شيء سيئ بشكل واضح وكامل، ولكن يتم وصفه من باب الأدب بأنه يتمتع بخصائص جيدة قد تعوّضه عن ذلك.
الواقع، أن العديد من الاقتصادات الكبرى، على الرغم من عدم حدوث انكماش إجمالي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي على مستوى العالم، لا تزال تعاني من الركود في أفضل الأحوال، وسيظل النمو العالمي أقل بكثير من متوسط ​​معدل ما قبل الجائحة البالغ 3.1٪ - على الرغم من أن هذا الرقم العالمي يشمل الهند وإندونيسيا والصين التي تشهد نمواً أسرع. وكما قال البنك الدولي: «ستظل البلدان التي تمثل مجتمعة أكثر من 80٪ من سكان العالم- والناتج المحلي الإجمالي العالمي- تنمو بشكل أبطأ مما كانت عليه في العقد الذي سبق كوفيد-19». والأسوأ من ذلك، «من المتوقع أن يظل واحد من كل أربعة اقتصادات نامية أكثر فقراً مما كان عليه عشية الجائحة في عام 2019. وهذه النسبة أعلى بمرتين بالنسبة للدول التي تعاني من أوضاع هشة ومتأثرة بالصراع». ويخلص خبراء الاقتصاد في البنك الدولي إلى أن «فجوة الدخل بين الاقتصادات النامية والاقتصادات المتقدمة من المقرر أن تتسع فيما يقرب من نصف الاقتصادات النامية خلال الفترة 2020-2024».
لكن عندما نتعمق في معدلات النمو في كل من الاقتصادات الكبرى، يبدو مصطلح «الهبوط الناعم» غير مناسب أكثر. خذ على سبيل المثال: اقتصاد الولايات المتحدة، وهو الأفضل أداءً بين أكبر سبعة اقتصادات رأسمالية. بعد عام التعافي «المثير» في 2021 في أعقاب الركود الناجم عن الجائحة في 2020، كان هناك في الواقع «ركود فني»، أي انكماش ربعين سنويين متتاليين في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي. ثم شهد عام 2023 نمواً متواضعاً، بدا أنه تسارع في النصف الثاني. ومع ذلك، كان هناك تباطؤ كبير في الربع الأول من هذا العام، مع توسع الاقتصاد الأمريكي بأبطأ معدل له منذ الركود في أوائل عام 2022.
وبالنظر إلى المستقبل، فإن التوقعات المختلفة لارتفاع النمو على أساس ربع سنوي في الربع الحالي (الربع الثاني من عام 2024) تتراوح بين 0.4% و0.5%. وهذا ينطبق على الولايات المتحدة. وكان الأداء أسوأ كثيراً في اقتصادات مجموعة السبع الأخرى. وكانت منطقة اليورو ككل في حالة إنهاك تام بحلول عام 2023. أمّا بالنسبة لليابان، فمن الواضح أنها لم تحقق «الهبوط الناعم». ولن نُغفِل كندا، أصغر اقتصاد في مجموعة السبع، والتي ظل اقتصادها راكداً في النصف الأخير من عام 2023. وتجد القصة نفسها في أستراليا والسويد وهولندا. أما بالنسبة للاقتصاد البريطاني، فهو الأسوأ أداءً بين اقتصادات مجموعة الدول السبع الكبرى، حتى أنه ينافس الاقتصاد الإيطالي من حيث السوء.

الموازن العالمي هم الاقتصادات الناشئة

على النقيض من ذلك، تؤدي بعض الاقتصادات الناشئة الكبيرة بشكل جيد. من بين ما يسمى مجموعة البريكس، تنمو الهند بنسبة 6٪ سنوياً، والصين بنسبة 5٪ سنوياً، والاقتصاد الروسي بنسبة 3٪ سنوياً. لكنّ البرازيل تتقدم ببطء بنسبة تقل عن 1٪ بينما تعاني جنوب إفريقيا من الركود. والعديد من الاقتصادات الأخرى الأفقر والأصغر فيما يسمى بالجنوب العالمي تعاني من ضائقة عميقة.
ما تكشفه أحدث البيانات، هو أن الاقتصادات الكبرى لا تزال فيما أسميته الكساد الطويل، أي بعد كل ركود أو انكماش، يتبع ذلك مسار أدنى لنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي - لم تتم استعادة الاتجاه السابق. لم تتم العودة إلى معدل النمو الاتجاهي قبل الأزمة المالية العالمية والركود العظيم. وانخفض مسار النمو بشكل أكبر بعد ركود الوباء في عام 2020. لا تزال كندا أقل بنسبة 9٪ عن اتجاه ما قبل الأزمة المالية العالمية، ومنطقة اليورو أقل بنسبة 15٪، والمملكة المتحدة أقل بنسبة 17٪، وحتى الولايات المتحدة لا تزال أقل بنسبة 9٪.
وإذا تعمقنا في منطقة اليورو ذاتها، فسوف ندرك الصورة الكاملة لكارثة الاقتصاد الألماني، الذي كان في السابق القوة الصناعية الكبرى في أوروبا. فمنذ عام 2021، شهدنا خمسة أرباع من أصل 12 ربعاً من الانكماش، وربعاً واحداً فقط كان أعلى من 1%، وهذا أداء أسوأ من أداء اليابان الراكد بشكل دائم. لم يحقق نشاط قطاع التصنيع في ألمانيا هبوطاً ناعماً ــ ولا حتى «بيضة قسيس». بل إنه انهيار كامل، يعود تقريباً إلى فترة جائحة عام 2020.
لا عجب أن الأجور الحقيقية للعمال الألمان انخفضت بشكل حاد في السنوات الأربع الماضية - بنسبة مذهلة بلغت 6٪ منذ نهاية الوباء في عام 2020، على الرغم من التعافي المتواضع في النصف الأخير من عام 2023. ولا عجب أن الأحزاب «اليمينية المتشددة» في ألمانيا حققت أداءً جيداً في الانتخابات الأوروبية الأخيرة.
تبدو معدلات التضخم في الاقتصادات الكبرى ثابتة، فقد ارتفعت الأسعار في المتوسط ​​بنسبة 20% منذ نهاية الوباء. وتباطأ معدل هذا الارتفاع حتى عام 2023. ولكنّ المعدلات لم تعد تنخفض الآن، وفي بعض البلدان، بدأت ترتفع مرة أخرى. ولا يزال معدل التضخم في منطقة اليورو أعلى من هدف البنك المركزي الأوروبي البالغ 2%، والواقع أنه ارتفع في مايو/أيار إلى 2.6% على أساس سنوي. كما ارتفع التضخم الأساسي «الذي يستبعد الغذاء والطاقة» إلى 2.9% على أساس سنوي، والواقع، أن البنك المركزي الأوروبي رفع توقعاته للتضخم السنوي لعام 2024 إلى 2.5% وللعام المقبل إلى 2.2%. ولا يرى البنك المركزي الأوروبي أن هدفه للتضخم البالغ 2% سيتحقق قبل عام 2026!
الواقع، أن معدل البطالة المنخفض والنمو الصافي في الوظائف في الولايات المتحدة يُقال الكثير عنه. رسمياً، أضاف الاقتصاد الأمريكي 272 ألف وظيفة في مايو/أيار 2024، وهو أعلى رقم في خمسة أشهر. لكن معدل البطالة ارتفع إلى 4% في مايو/أيار. وكل الارتفاع الصافي في الوظائف يأتي من العمل بدوام جزئي. فقد ارتفعت الوظائف بدوام جزئي بمقدار 286 ألف وظيفة في مايو/أيار، لكن الوظائف بدوام كامل انخفضت بمقدار 625 ألف وظيفة. والواقع، أن الوظائف بدوام كامل تقلصت في الأشهر الاثني عشر الماضية بنحو 1.1 مليون وظيفة، في حين ارتفعت الوظائف بدوام جزئي بنحو 1.5 مليون وظيفة. وبعد أخذ التضخم في الاعتبار، لا تزال الأرباح الأسبوعية الحقيقية أقل بنحو 7% عن مستواها قبل أربع سنوات، وظلت ثابتة في العام الماضي. ونتيجة لهذا، بلغ عدد الأمريكيين الذين يقومون بوظائف متعددة 8.4 ملايين في مايو/أيار، بزيادة قدرها 3 ملايين منذ عام 2020.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1180