«المنحة» لا تسمن ولا تغني: مطلب السوريين رفع الأجور الحقيقية

«المنحة» لا تسمن ولا تغني: مطلب السوريين رفع الأجور الحقيقية

صدر يوم الإثنين الماضي، 10 حزيران 2024، المرسوم التشريعي رقم (17) لعام 2024، والقاضي بصرف ما أطلق عليها اسم «منحة»، بمبلغٍ مقطوع هو 300 ألف ليرة سورية للعاملين المدنيين والعسكريين وأصحاب المعاشات التقاعدية، على أن تصرف هذه «المنحة» لمرة واحدة فقط. 

كما جرت العادة، ما إن انتشر خبر «المنحة» حتى باتت للتندّر بين السوريين الذين شرعوا بعقد المقارنات لإظهار مدى ضآلة مبلغ الـ300 ألف ليرة سورية بالمقارنة مع الارتفاع العام في أسعار السلع في البلاد. فما الذي «يغطيه» هذا الرقم فعلياً؟ وما هي المشكلة الكامنة خلف فكرة «المنحة» من أساسها؟

1179c

2.4% من وسطي تكاليف معيشة الأسرة السورية

وفقاً لبيانات مؤشر قاسيون لتكاليف المعيشة، فقد بلغ وسطي تكاليف معيشة أسرة سورية مكوّنة من 5 أفراد 12,499,867 ليرة سورية في نهاية شهر آذار الماضي. وعلى افتراض ثبات الأسعار في السوق خلال الشهر الفائت (رغم أنها ارتفعت فعلياً وبمبالغ كبيرة)، فإن مبلغ «المنحة» لا يغطي سوى نسبة 2.4% إضافية من وسطي تكاليف المعيشة، ولا يغطي - بعد إضافته إلى الحد الأدنى للأجور في البلاد (278,910 ليرة سورية)- سوى 4.6% من وسطي تكاليف المعيشة.
وإذا افترضنا وجود فردين عاملين في الأسرة، فإن ما تغطيه «المنحة» بعد إضافتها للحد الأدنى للأجور، سيظل أقل من عُشر وسطي تكاليف معيشة الأسرة (9.2%)، هذا رغم أن معدّل الإعالة في ظل مثل الظروف الحالية في البلاد هو أعلى من ذلك بالتأكيد (بعض تقديرات الأمم المتحدة تؤكد أن معدل الإعالة في سورية بات قريباً من 1 على 7).

1179d

6.6% من الحد الأدنى لتكاليف الغذاء

على النحو ذاته، ارتفع الحد الأدنى الشهري لتكاليف غذاء الأسرة السورية (عبر حساب السعرات الحرارية التي تكفل البقاء على قيد الحياة وإعادة إنتاج قوة العمل من جديد) في نهاية شهر آذار إلى 4,520,858 ليرة سورية.
وأيضاً إذا افترضنا أن أسعار الغذاء لم تشهد أي ارتفاع خلال الشهور الماضية، فإن «المنحة» لا تغطي سوى 6.6% من الحد الأدنى لتكاليف غذاء الأسرة شهرياً، وبعد إضافتها للأجر، لا ترتفع النسبة سوى إلى حدود 12.8%.
وإذا اعتبرنا أن العامل السوري لا يعيل أحداً ويعمل ليطعم نفسه فقط، فإن مبلغ «المنحة» لا يغطي سوى 32% من الحد الأدنى لتكاليف غذائه هو فقط (937,500 ليرة سورية)!

1179e

المنحة تتبخر مع تأجيج لنيران السوق

كل ما ذكرناه سابقاً هدفه المقارنة فقط، ولا يعبّر عن واقع الحال تماماً، ففي الحقيقة لا تغطي «المنحة» شيئاً، وسرعان ما ستتلاشى في معمعة الارتفاعات التي تشهدها أسعار السوق يومياً.
بل أكثر من ذلك، ستشكّل المنحة عاملاً إضافياً من عوامل تخفيض قيمة الأجر الفعلي للعامل السوري، حيث ستكون الكتلة النقدية من الليرات السورية التي سيتم ضخها من الخزينة العامة للدولة كما هو معلن على شكل «منحة» سبباً دافعاً لجماح الأسعار في السوق، مع ما يعنيه ذلك من تراجع في القدرة الشرائية الفعلية للأجر السوري.

1179f

المطلوب زيادة الأجور الفعلية... لا «منحة»

لا يختلف اثنان على أن كل ليرة سورية إضافية تدخل إلى جيوب العمال المنتجين السوريين هي شيء إيجابي، لكن ذلك مشروط بأن تحافظ هذه الليرة على قيمتها لا أن تكون سبباً إضافياً في تقليص القيمة الفعلية لليرات القليلة الموجودة في هذه الجيوب.
وهذا بالضبط هو السبب في اعتبار ما تسمى بـ«المنحة» سبباً من أسباب مفاقمة أوضاع السوريين سوءاً، فهي ليست منحة للناس، بل عملياً منحة للسوق، ولا سيما لمحتكري الغذاء. ولهذا السبب أيضاً، فإن المطلوب في الظروف السورية اليوم هو رفع الأجور الفعلية وليس «المنحة».
ولا يمكن الحديث عن رفع الأجور الحقيقية للسوريين بشكلٍ جدي، دون أخذ ثلاثة عوامل أساسية بعين الاعتبار:

أولاً: كي تكون الأجور فعلية فإن أول شرط ينبغي أخذه بالاعتبار هو أن الرقم المطلق فيها ليس هو المهم، فقد يكون الأجر مئة ليرة وقد يكون عشرة ملايين، لكن الأساسي هو ما يشتريه هذا الأجر في السوق فعلياً. لهذا، يجب ربط الحد الأدنى للأجور بتكاليف المعيشة، أي أن يكون قادراً على تغطيتها.
ثانياً: على افتراض أن الحد الأدنى للأجر السوري قد تم ربطه بتكاليف المعيشة، فإن هذا ليس كافياً بحد ذاته، حيث أن أي ارتفاع في هذه التكاليف في السوق ستؤدي إلى تلاشي تدريجي للأجر الفعلي. لهذا، فإن الشرط الثاني هو أن يكون الربط مستمراً، أي أن يرتبط الحد الأدنى للأجور بالأسعار دورياً (شهرياً، أو فصلياً، أو سنوياً.. إلخ)، وهذا الشيء، كما ذكرنا سابقاً، يجب أن يكون حقاً للعمال وليس «منحة» أو «مكرمة» من أحد...
ثالثاً: بشكلٍ بديهي، لا يجب أن يكون مصدر زيادة الأجور هو جيوب الناس، مثل «الوفورات» التي يتم التباهي بها جراء عمليات رفع الدعم تحت شعارات «عقلنته» و«توجيهه إلى مستحقيه»، بل إن أي رفع حقيقي للأجور، مرهون بأن يكون مصدره جيوب الفاسدين الكبار، أصحاب الربح الكبير الذين يحوزون الثروة السورية فعلياً بينما لا يحصل 90% من الشعب السوري سوى على 10% منها على أحسن تقدير.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1179