جردة حساب لمرحلة «ما بعد الزيادة».. من الوضع السيء إلى «السوبر سيء»
مرة أخرى، تذرّع أصحاب القرار في البلاد بضرورة رفع أجور الموظفين للقيام بحملة ارتفاعات ضخمة لأسعار السلع الأساسية. ومنذ الخامس عشر من آب - موعد الإعلان عن القرارات التي اعتاد المواطنون إصدارها ليلاً- لم تهدأ تداعيات هذه القرارات، حيث شهدت الأسواق ولا تزال تشهد ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار جميع السلع تقريباً، بينما لا تزال التبريرات الرسمية على حالها مجافية للمنطق والعقل.
تقف وراء أرقام الارتفاعات التي طالت السلع كلها حياة مليئة بالمشقة يواجهها المواطن السوري كل يوم. فالزيادات الحادة في أسعار المحروقات تعني تكاليف إضافية على النقل والإنتاج، مما يؤدي بشكل طبيعي إلى زيادة أسعار السلع والخدمات الأخرى. وبهذا، تصبح الحياة اليومية مكلفة بشكل أكبر، حيث يجد المواطن نفسه مضطراً لدفع المزيد من الأموال كي يؤمّن السلع والخدمات ذاتها التي كان يحصل عليها بتكلفة أقل مما قبل الزيادة الاسمية للأجور. فيما يلي، نرصد بعض جوانب سلسلة ارتفاعات الأسعار التي تمت منذ يوم 15 آب حتى تاريخ إصدار هذا العدد من «قاسيون».
تريليونات الليرات السورية.. في «ضربة واحدة»!
كان المازوت المدعوم، وهو أحد المواد الأساسية للنقل وللتدفئة خلال فصل الشتاء (أي أنه الأكثر ارتباطاً بحياة الناس اليومية)، في صدارة الارتفاعات حيث قفز من 700 ليرة سورية إلى 2,000 ليرة (بنسبة 185%)، تلاه البنزين أوكتان 90، الذي ارتفع سعر الليتر الواحد منه من 3,000 ليرة إلى 8,000 (166.6%)، ثم المازوت الحر الذي شهد قفزة بحوالي 113.8% (من 5,400 ليرة إلى 11,550 ليرة). كما ارتفع سعر طن الفيول (الداخل في تسعير الكهرباء وفي العديد من الصناعات) من 4,443,993 ليرة إلى 7,887,500 ليرة (77.4%)، وكذلك سعر الليتر من المازوت الصناعي الذي ارتفع أيضاً من 5,400 إلى 8,000 ليرة (48.1%).
وعلى هذا النحو، ارتفع البنزين أوكتان 95 من 10,000 ليرة إلى 13,500 ليرة (35%) علماً أن قرار رفع سعره إلى 10,000 صدر منذ بداية الشهر فقط بعد أن كان 8,600 ليرة.
وبمجرد صدور قرارات رفع أسعار المشتقات النفطية في مساء 15 آب، تلاها مباشرة رفع أسعار الغاز (التي شهدت زيادات في منتصف العام)، حيث ارتفع ثمن أسطوانة الغاز المنزلي المدعوم بسعة 10 كيلو من 15,000 إلى 18,000 (20%)، وأسطوانة الغاز المنزلي الحر بالسعة ذاتها من 50,000 إلى 53,000 ليرة (6%)، وكذلك الحال بالنسبة للغاز الصناعي، حيث ارتفع ثمن أسطوانة الغاز بسعة 16 كيلو من 75,000 إلى 79,500 ليرة (5,3%). وكذلك ارتفع ثمن طن الغاز السائل / دوكما ليصل إلى 9,372,500 ليرة بينما لا تتوافر - حتى الآن- معلومات منشورة عن سعره قبل الزيادة الأخيرة.
نتيجة الارتفاعات التي حدثت، وفّر أصحاب القرار في البلاد تريليونات الليرات السورية التي سيتم جمعها من جيوب المواطنين. ففي مقابل رفع الأجور اسمياً بنسبة 100% (أكدت التصريحات الرسمية أن هذا الرفع سيكلف الحكومة 4 تريليون ليرة سورية سنوياً)، ستحصل الحكومة على عشرات تريليونات الليرات السورية.
وفقاً لتقديرات الأكاديمية والباحثة الاقتصادية، د.رشا سيروب، التي أجرت «قاسيون» حواراً معها في العدد الفائت، فإن الإيرادات التي ستدخل إلى الموازنة العامة خلال الشهور المتبقية من السنة المالية الحالية نتيجة رفع أسعار هذه المواد تقارب 5.7 تريليون ليرة وهو أكبر من رقم عجز الموازنة عن العام كاملاً (4.8 تريليون ل.س)، مقابل زيادة في الإنفاق على الرواتب والأجور عن الأربعة أشهر المتبقية والتي لن تتجاوز 1.5 تريليون ليرة سورية. أي أن الحكومة - وفقاً لسيروب- ستحقق زيادة في الإيرادات تعادل أربعة أمثال ما ستنفقه من زيادة على الرواتب والأجور منذ تاريخ صدور القرار لغاية نهاية العام الجاري. وباعتبار أن وزارة المالية صرحت أن التكلفة السنوية المقدرة للزيادة في الرواتب والأجور ستكون بحدود 4 تريليون ليرة، نجد أن الزيادة في الإيرادات السنوية الناتجة (فقط عن رفع سعري البنزين والمازوت - وغير متضمنة سعر الغاز الدوكما أو الفيول) ستكون بحدود 15.5 تريليون ل. س أي تشكل أكثر من 93% من إجمالي الموازنة وثلاثة أضعاف العجز المقدر.
وبهذا يتضح زيف الادعاءات الحكومية حول أن عمليات الرفع تهدف إلى تحسين الوضع المعيشي للناس، ويتضح أكثر أن هدفها هو «حل مشكلة» قلة الإيرادات - التي تتحمل مسؤوليتها هي - على حساب الناس وحساب معيشتها وضرورات بقائها.
سلسلة ارتفاعات جديدة.. والعجلة لا تتوقف
تلا قرارات 15 آب سلسلة من عمليات رفع الأسعار، شملت رفع تعرفة الركوب لخطوط النقل داخل المحافظات وبينها بنسب زادت على 100%. وكذلك رفع سعر ربطة الخبز الموزعة من المعتمدين (بمبالغ بين 50 و150 ليرة سورية كزيادة على أجور نقل) في مقابل الحفاظ شكلياً على سعر ربطة الخبز عند 200 ليرة.
وفوق ذلك، جرى رفع تعرفة المتر المكعب من مياه الشرب لدى جميع المؤسسات العامة لمياه الشرب والصرف الصحي في المحافظات السورية، بحيث يتم احتساب تعرفة المتر المكعب من المياه المستهلكة للكمية من 36-50 متراً مكعباً في الدورة الواحدة (الشريحة الخامسة للاستهلاك المنزلي) بقيمة 150 ليرة، ما يعني زيادة حدها الأدنى 400% على الاستهلاك المنزلي بحوالي ٥٠ متر (للمزيد تابع مادة قاسيون في القسم المحلي في العدد ذاته).
وبعد مرور أقل من أسبوع على الزيادات، شهد مؤشر قاسيون لتكاليف معيشة الأسرة السورية من خمسة أفراد ارتفاعاً بحوالي 3.823.333 ليرة سورية عن وسطي التكاليف التي سجلها المؤشر في شهر تموز 2023، حيث انتقلت هذه التكاليف من 6,560,178 ليرة في بداية تموز، إلى 10,383,511 ليرة (بينما ارتفع الحد الأدنى لتكاليف معيشة الأسرة بحوالي 2.389.583 ليرة، منتقلاً من 4,100,111 ليرة في بداية تموز إلى 6,489,694 ليرة في منتصف آب)، أي أن التكاليف ارتفعت فعلياً بنسبة قاربت 58.3% خلال الفترة من بداية شهر تموز حتى النصف الثاني من شهر آب.
السورية للتجارة «تواكب» الارتفاعات بدورها أيضاً
على هذا النحو، أصدرت مؤسسة «السورية للتجارة» في 24 آب قراراً زادت بموجبه أسعار عدد من المواد الأساسية، الأمر الذي سيشكل عبئاً إضافياً على عاتق السوريين، وسيساهم بالمزيد من التآكل في القدرة الشرائية لليرة السورية، وبمزيد من الارتفاعات الموازية في السوق.
وجاء في نص القرار أنه سيتم بيع المواد على البطاقة الإلكترونية بشكل مباشر من دون رسائل ووفق كميات محددة. حيث رفعت سعر كيلو السكر إلى 13,000 ليرة بدلاً عن 12,500 (4%)، وكيلو الرز إلى 17,000 ليرة عوضاً عن 13,500 (25.9%)، وكيلو العدس المجروش إلى 16,000 ليرة عوضاً عن 15,000 (6.6%)، وعلبة الطون إلى 14,000 ليرة عوضاً عن 11,000 (27.2%)، وكيلو السمنة إلى 28,000 بدلاً من 25,000 (12%). بينما ارتفع الزيت النباتي (1 ليتر) بنسبة 25% من 20,000 إلى 25,000، والزيت النباتي (1.8 ليتر) بنسبة 34.3% من 33,500 إلى 45,000، والزيت النباتي (2 ليتر) بنسبة 47% من 34,000 إلى 50,000 ليرة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1137