أزمة البنوك: هل انتهت حقاً؟
مايكل روبرتس مايكل روبرتس

أزمة البنوك: هل انتهت حقاً؟

استقرّت أسعار الأسهم الأسبوع الماضي، وجميع المسؤولين في الاحتياطي الفدرالي ووزارة الخزينة الأمريكية والبنك المركزي الأوروبي يطمئنون المستثمرين بأنّ الأزمة انتهت، وبأنّ النظام المالي الأمريكي والأوربي قويان، وأنّه لا توجد مقايضة بين رفع أسعار الفائدة والحفاظ على الاستقرار المالي. فهل انتهت الأزمة حقاً؟ الإجابة القصيرة: إنّها لم تنتهِ وتمّ تأجيلها فقط.

ترجمة: قاسيون

منذ بداية الأزمة قبل عدّة أسابيع، وبينما أضافت البنوك الأمريكية الكبرى 67 مليار دولار، خسرت البنوك الصغيرة 120 ملياراً، والبنوك المملوكة أجنبياً 45 ملياراً. من أجل تغطية هذه التدفقات والتّحضّر للمزيد، استدانت البنوك الأمريكية 475 مليار دولار من الاحتياطي الفدرالي، وانقسمت بالتساوي بين البنوك الكبيرة والصغيرة، وذلك على الرغم من أنّ الصغيرة اقترضت ضعف ما تقترضه البنوك الكبيرة مقارنة بحجمها.
تخسر البنوك الصغيرة ودائعها منذ أكثر من عامين لصالح البنوك الكبيرة، لكن منذ انهيار بنك سيليكون فالي في 10 آذار تمّ سحب 500 مليار دولار، و600 ملياراً أخرى منذ أعلن الفدرالي رفع سعر الفائدة. هذه أرقام قياسية. لكن أين تذهب كلّ هذه الودائع المسحوبة؟ نصف الـ 500 مليار ذهبت إلى البنوك الأكبر والأقوى، ونصفها إلى «صناديق سوق المال». الذي يحدث أنّ المودعين «غالبيتهم من الأثرياء والشركات الصغيرة» يصيبهم الذعر أنّ بنكهم الصغير أو المتوسط قد ينهار، مثلما حدث لسيليكون فالي، فينقلون ودائعهم إلى بنوك أكبر «أكثر أماناً». أمّا صناديق سوق المال «هي فقط أدوات استثمار لا تقدّم أيّة خدمات مصرفية، وتعطي فوائد ادخار أعلى عبر آليات، مثل: شراء سندات الخزينة قصيرة الأجل» فيرى فيها المودعون أسعار فائدة أعلى مع قيام البنوك المركزية برفع أسعار الفائدة. ورغم أنّ هذا التحوّل ليس ذي أهميّة مقارنة بحجم القطاع البنكي الأمريكي البالغ حجمه 17.5 ترليون دولار، فهو لا يشكل سوى 2٪ منه، فهو يدلّ على أنّ أعصاب المودعين مشدودة وعلى حافة الهاوية.
لقد كان السبب المباشر والرئيسي في سقوط البنوك الأمريكية والأوروبية هو نقص السيولة، فمعظم النقود المتوفرة لدى البنوك أُعيد استثمارها في الأصول التي فقدت قيمتها بشكل كبير العام الماضي، بسبب رفع الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة. تميل البنوك إلى شراء السندات الأكثر أماناً: السندات الحكومية، لكون المدينين فيها لن يعسروا عن السداد بعد نهاية المدة، لنقل خمسة أعوام، وهذا ما فعله بنك سيليكون فالي، معتقداً أنّه يستثمر أمواله في مكان آمن.
لنفترض أنّ ميعاد سداد دَينٍ حكومي بقيمة 1000 دولار، سيأتي خلال خمسة أعوام، وأنّ سعر الفائدة 4٪. بالنسبة للبنك يحصل المودعون على فائدة بنسبة 2٪ عن أموالهم، ويحصل هو على ربح 2٪. لكن مع رفع الاحتياطي الفدرالي لمعدلات الفائدة عن القروض التي منحها بنسبة 2٪، سيكون على البنك أن يزيد معدلات فائدة الإيداع أو سيخسر زبائنه. ستتقلّص أرباح البنك هنا، ولكن الأسوأ أنّ سعر السند 1000 دولار سوف يتهاوى أيضاً في سوق الأسهم الثانوي «وهي بمثابة سوق السيارات المستعملة ولكن للسندات». لكن لماذا؟ لأنّ الفائدة التي ستستمر الحكومة في دفعها على السند الذي تملكه «4٪»، فستقلّ لأنّ الفارق قد ضاق بين فائدة السندات الخاصة بك، والفائدة الجارية على النقد أو الأصول الأخرى قصيرة الأجل، وبهذا عندما تريد بيع سندك في السوق الثانوية، لن تجد من يشتريه بألف دولار، وستكون محظوظاً إن وجدت من يشتريه بـ 900 دولار.

مشكلة غير محلولة

إنّ نقص السيولة وزيادة طلب المودعين لأموالهم لأسباب متعددة، أدّى إلى إعسار البنك وإعلان إفلاسه لعدم القدرة على الوفاء. يعني هذا: أنّ تدخل السلطات الرسمية والحكومية لم ينقذ البنوك الصغيرة، وعموم الأعمال الصغيرة والمتوسطة التي ستكون مهددة بإفلاس تلو الآخر. لقد كان على الحكومة الأمريكية أن تؤمّن الودائع حتّى التي تزيد عن 250 ألف دولار رغم القانون المخالف، وكان على الفدرالي أن يضع خطّة إقراض جديدة يمكن من خلالها للبنوك أن تقترض بضمانة السندات التي تملكها، بدلاً من بيعها بأدنى من ثمنها بهدف إيقاف الذعر.
المشكلة هنا، أنّ من ناقش بأنّ البنوك الصغيرة هي التي تأذت لعدم استعدادها، وأنّ البنوك الكبيرة في منأى عن هذه المشكلة، نسي أنّ بنك سيليكون فالي لم يكن بنكاً صغيراً، بل كان يحتل المرتبة 16 بين أكبر بنوك الولايات المتحدة، وانهياره هو ثاني أكبر انهيار في تاريخ الولايات المتحدة. الأمر الآخر كما وضّح تقرير «المؤسسة الفدرالية للتأمين على الودائع» يظهر أنّ بنك سيليكون فالي لم يكن وحده في مواجهة الخسائر الكبيرة «غير المدركة» بعد في سجلاته، فإجمالي هذه الخسائر لدى سجلات بنوك الولايات المتحدة هي 620 مليار دولار، أو 2.7٪ من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي. هذه الخسائر غير المدركة في البنوك قد تصبح بأيةّ لحظة خسائر مدركة في الاقتصاد. الأمر الأكيد اليوم: أنّ هناك اليوم 10٪ من البنوك الأمريكية لديها خسائر غير معترف بها أكبر من خسائر بنك سيليكون فالي.
كما أنّ بنك سيليكون فالي ليس أسوأ بنك من ناحية الرسملة، فهناك 10٪ من البنوك الأمريكية لديهم رسملة أسوأ منه. إنّ دراسة حديثة هامة وجدت أنّ القيمة السوقية للأصول في النظام البنكي هي أدنى بمقدار 2 ترليون دولار من قيمتها الموجودة في سجلاتها. إنّ استمرار البنك الفدرالي في سياسة رفع أسعار الفائدة ستعني انخفاضاً أكثر لقيمة السندات، وزيادة للخسائر غير المدركة، ما سيعني حتماً مواجهة المزيد من البنوك لنقص في السيولة، ويكشف أنّ الإجراءات الطارئة التي اتخذت غير كافية.
الادعاء الثاني: يقوم على أنّ البنوك الكبيرة التي لديها فائض سيولة أكبر ستموّل البنوك المعسرة وتستحوذ عليها، كما حدث مع فرع بنك سيليكون فالي في بريطانيا، والذي اشتراه بنك HSBC بمقدار باوند واحد، أو حالة بنك كريدي سويس الذي اشتراه بنك UBS بخُمس قيمته السوقية. يتمّ التسويق لهذا الحل بأنّه يناسب السوق، ويجنّب الأشخاص العاديين المشكلة. لكنّ هذا الحل السوقي سيعني المزيد من الاحتكار والبناء لمشكلة أكبر، فالبنوك الأمريكية كمثال استثمرت بشكل كبير في الأصول العقارية التجارية: المكاتب والسوبر ماركات الضخمة...الخ. الاقتراض كحصة من احتياطيات البنك قد تسارع من 25٪ إلى 95٪ في بداية العام الحالي لدى البنوك الصغيرة، و35٪ لدى البنوك الكبيرة.
إنّ الكثير من هذه الأصول متوقف، ولا يُدرّ أي دخلٍ أو إيجار، وفي الوقت الذي ترتفع فيه معدلات الرهن العقاري مع رفع الفدرالي الاحتياطي والمركزي الأوروبي لأسعار الفائدة، فالكثير من البنوك ستواجه إعساراً في قروضها، حيث وصلت في الأسبوعين الأخيرين قيمة القروض المعسرة إلى 3 مليار دولار، مع انهيار المطورين العقاريين الذين اقترضوا واستثمروا في السوق العقارية. الشهر الماضي أُعسر أكبر مالك مكاتب عقارية في لوس أنجلس: بروكفيلد بقيمة 784 مليون دولار، وفي آذار أُعسرت شركة باسيفيك انفستمنت بقيمة 1.7 مليار دولار بإخطارات رهون عقارية، وبلاكستون أُعسرت بقيمة 562 مليون دولار في سداد قيمة سنداتها. إنّ قيمة القروض في القطاع العقاري التجارية التي ستستحق سدادها تبلغ 270 مليار دولار شديدة التركز، فالبنوك الصغرى تملك منها 80٪. هذه مجرّد عينة واحدة من القنابل المالية التي قد تنفجر في المستقبل القريب.

بتصرّف عن:
Banking crisis: is it all over?

معلومات إضافية

العدد رقم:
1116
آخر تعديل على الخميس, 13 نيسان/أبريل 2023 12:02