تحضيراً لـ«يوم القيامة» المالية العالمية .. حتى البنوك المركزية تحتاط بالذهب!

تحضيراً لـ«يوم القيامة» المالية العالمية .. حتى البنوك المركزية تحتاط بالذهب!

نشر مجلس الذهب العالمي مؤخراً بياناته عن سوق الذهب العالمي لعام 2022، كاشفاً أنه في نهاية العام، نما الطلب على الذهب بنسبة 18% ليصل إلى 4,741 طن. ومن حيث القيمة المطلقة، بلغت الزيادة حوالي 729 طناً. ووفقاً لنتائج الربع الرابع من عام 2022، زاد الطلب على الذهب في السوق العالمية بنسبة 17% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2021. ما يعني بالعموم أن الإقبال على الذهب كان الأعلى منذ أكثر من 30 عاماً.

بطبيعة الحال، تؤشر هذه الارتفاعات القياسية في حيازة الذهب إلى زيادة التقلبات والارتباك المالي العالمي، حيث بات جميع المشاركين الأساسيين في السوق المالية العالمية ينحون منحى السعي لتأمين أنفسهم ضد الخسائر المحتملة المرتقبة التي سيتكبدها الدولار الأمريكي. في هذه المادة، نستعرض بعض التطورات التي طرأت على سوق الذهب العالمي والحيازات الدولية، مستفيدين الأرقام الجديدة المنشورة مؤخراً من جانب مجلس الذهب العالمي والباحث الاقتصادي الروسي المعروف، فالنتين كاتاسونوف.


1113a


البنوك المركزية تتجه للذهب وتزيد حيازته

الذهب اليوم هو واحد من أهم أدوات حماية الاقتصاد ضد التقلبات المرتقبة، ولا سيما منها تلك المتعلقة بقدرة الغرب على التأثير المباشر على النقد، حيث شاهد العالم مؤخراً كيف كان بإمكان «العالم الغربي» أن يؤذي الاقتصاد الروسي بسهولة فائقة نتيجة التجميد المباشر لاحتياطيات النقد الأجنبي لروسيا (حوالي 300 مليار دولار).
منذ ما بعد الأزمة المالية العالمية 2008، اهتمت العديد من البنوك المركزية حول العالم بشراء الذهب: قبل عام 2008، كانت البنوك المركزية «بائعاً صافياً» للذهب أي أنها كانت تبيع الذهب أكثر مما تشتريه، أما بعد ذلك فقد تحولت إلى «مشتري صافي» يبيع أقل مما يشتري.
ولا يعود الارتفاع في حيازة الذهب لارتفاع الطلب لدى صناعة المجوهرات، ففي العام الماضي 2022، بلغ الطلب على الذهب (لصناعة المجوهرات) 2.1 طن مقارنة بـ2.2 طن في عام 2021، أي أن الطلب انخفض بمقدار 1.8% بين عامين. ويعود ذلك لانخفاض قدرة المواطنين حول العالم عموماً على استهلاك الذهب. وفي العموم، انخفضت مشتريات الذهب للأغراض الفنية كلها العام الماضي بنسبة 6.4% لتصل إلى 309 أطنان مقابل 330 طناً في عام 2021.


1113b


أكثر من 145% خلال عام واحد فقط!

بلغت مشتريات الذهب على شكل سبائك وعملات معدنية من جانب مستثمرين من القطاع الخاص العام الماضي 1.218 طن، وهو ما تجاوز رقم العام السابق (1.191 طن) بنسبة 2.3%. والرقم لعام 2022 هو الأعلى منذ عام 2013، حيث طالت هذه العملية العديد من دول العالم.
لكن النسبة الأكبر من زيادة الطلب على الذهب في العام الماضي جاءت عن طريق البنوك المركزية. ففي عام 2022، بلغ صافي مشتريات الذهب (أي إجمالي المشتريات مطروحاً منه المبيعات) من جانب البنوك المركزية 1,136 طناً. وآخر مرة تم فيها تسجيل مثل هذا الرقم كانت قبل 57 عاماً!
بين عامي 2010 و2022، ارتفعت قيمة صافي مشتريات الذهب من جانب البنوك المركزية بطريقة ملفتة، وهي على الشكل التالي: 2010 (79 طن)، 2011 (481 طن)، 2012 (569 طن)، 2013 (629 طن)، 2014 (601 طن)، 2015 (580 طن)، 2016 (395 طن)، 2017 (379 طن)، 2018 (656 طن)، 2019 (605 طن)، 2020 (255 طن)، 2021 (463 طن)، 2022 (1,136 طن)، أي أننا شهدنا زيادة تقدر بأكثر من 145% خلال عام واحد.
بدوره، كشف مجلس الذهب العالمي عن البنوك المركزية التي كانت تشتري الذهب بشكل علني خلال العام الماضي. وهي: البنك المركزي التركي (اشترى 145 طناً، ليصل المخزون إلى 542 طناً) والصين (في الربع الرابع أبلغت عن زيادة في المخزونات بمقدار 62 طناً، ليصل الاحتياطي إلى أكثر من 2000 طن). وقامت المصارف المركزية الأخرى بعمليات شراء واسعة النطاق، ولا سيما في مصر (47 طناً) وقطر (35 طناً) والعراق (34 طناً) والإمارات العربية المتحدة (25 طناً) وعمان (2 طناً).


1113c


روسيا والصين في رأس قائمة المشترين

إن مجموع صافي مشتريات البنوك المركزية التي كشف عنها مجلس الذهب العالمي والتي ذكرناها آنفاً هو 268 طن فقط، أي أنه لا يعادل سوى 23.6% من الإجمالي الصافي لمشتريات البنوك المركزية من الذهب خلال عام 2022. وهو ما يعني أن العديد من البنوك المركزية حول العالم تجري عمليات شراء سرية للذهب.
وأكبر الزيادات في احتياطيات الذهب (الرسمية والمعلنة) للفترة بين عامي 2010 و2022 كانت: روسيا 1,508 طن، والصين 894 طن، وكازاخستان 320 طن، وتركيا 295 طن، والهند 153 طن، وتايلاند 144 طن، وبولندا 127 طن، والمكسيك 112 طن، والبرازيل 96 طن، واليابان 80 طن. والزيادة الإجمالية في الاحتياطيات لهذه البلدان العشرة للفترة بين 2010 و2022 بلغت 3.733 طن.


1113d


البنوك المركزية تشتري الذهب.. علناً وسراً

بلغ صافي مشتريات الذهب من قبل جميع البنوك المركزية للفترة بين 2010 و2022 6.828 طن. بينما بلغ إجمالي الزيادة في احتياطيات الذهب الرسمية المعلنة لعشر دول (عن طريق البنوك المركزية) حوالي 54.7%. أي أن أكثر من 40% من إجمالي صافي مشتريات الذهب من قبل البنوك المركزية لم تنعكس في الإحصاءات المتعلقة باحتياطيات الذهب الرسمية.
من حيث القيمة المطلقة، فإن هذه النسبة تمثل قرابة 2.7 أو 2.8 ألف طن من الذهب. وعلى الأرجح فإن هذا هو الذهب الذي تم شراؤه من خلال المعاملات غير المعلنة. وكما أقر مجلس الذهب العالمي، فإن المشتريات بهذه الطريقة تمثل غالبية المشتريات الصافية للمعدن الثمين من قبل البنوك المركزية.
هذا يعني أن البنوك المركزية تستعد لنهاية العالم المالية العملاقة التي ستحرق الدولار الأمريكي وعملات احتياطية أخرى، بينما سيكون الذهب آمناً آنذاك. حيث يرجع هذا الاتجاه التصاعدي في حيازات الذهب إلى المؤشرات الواضحة بشكل متزايد على عدم استقرار النظام النقدي المبني على الدولار والعملات الاحتياطية الأخرى. ولا سيما أنه منذ نهاية عام 2000 (وفي ذروة الأزمة المالية العالمية) تم تشغيل مطابع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والبنك المركزي الأوروبي، وبنك إنجلترا، وبنك اليابان بكامل طاقتها. لهذا، فإن انهيار هذه العملات الاحتياطية أمر لا مفر منه على المدى المتوسط. يضاف إلى ذلك عامل انخفاض الثقة في تلك العملات التي بات يُطلق عليها اليوم تسمية العملات «السامة».
ومن المتوقع أن يتسارع تراجع حصة الدولار من الاحتياطيات العالمية مع سعي البنوك المركزية في الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية إلى زيادة تنويع بنية احتياطياتها. حيث أشارت البيانات الأولية لشهر كانون الثاني 2023 أن إقدام البنوك المركزية على شراء الذهب لا يزال يتصاعد، حيث اشترت هذه البنوك 30.8 طناً من الذهب خلال هذه الفترة وفقاً لبيانات مجلس الذهب العالمي. وكان أكبر مشتر هو أيضاً تركيا، التي زادت المخزونات لديها بمقدار 23.3 طن. بينما اشترت الصين 14.9 طن، وكازاخستان 3.9 طن. في حين أبلغ البنك المركزي الأوروبي عن زيادة في احتياطيات الذهب بمقدار 1.9 طن، ( يرجع هذا إلى حقيقة أن كرواتيا أصبحت رسمياً عضواً في منطقة اليورو). وكان البائع الرئيسي للذهب بين البنوك المركزية في شهر كانون الثاني هو البنك المركزي الأوزبكي، الذي خفّض احتياطياته بمقدار 11.5 طن.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1113