براءات الاختراع والمواهب لكسر حصار التكنولوجيا
تميل الولايات المتحدة مؤخراً إلى تصعيد «حرب الرقاقات» ضد الصين. بسبب الضغوط المكثفة من الولايات المتحدة وافقت هولندا واليابان على بدء فرض «ضوابط» على تصدير معدات تصنيع أشباه الموصلات إلى الصين. لاحقاً وكما كشفت وكالة بلومبيرغ تدرس الولايات المتحدة حظر الموردين المحليين من تقديم أية منتجات وخدمات إلى هواوي وبالتأكيد سيتبعها حظر على شركات أخرى لاحقاً. ضمن هذه الرقعة يرى البروفسور تشاو يانجينغ من جامعة شيامن الصينية بأنّ براءات الاختراع هي أعلى مستويات المنافسة التكنولوجية بين الصين والولايات المتحدة، وأنّ إلغاء حماية براءات اختراع محددة، علاوة على تصميم سياسات لجذب المبتكرين والموهوبين، ستسمح للصين بالفوز في هذه الحرب التكنولوجية.
ترجمة: قاسيون
في آب 2022 وقّع الرئيس الأمريكي جو بايدن أمراً تنفيذياً يهدف إلى تنفيذ «قانون الرقائق والعلوم». إنّ هذه الخطوات الإستراتيجية هي التي ستحدد المدى الذي سيصل إليه الصدام في ساحة المعركة الجديدة وكيفية تصميم طريقة صحيحة لاستثمار القوى الوطنية في الصدام النهائي لمنافسة التكنولوجية الفائقة بين الصين والولايات المتحدة.
ضمن هذه الحرب التكنولوجية يمكننا اعتبار الولايات المتحدة هي «السابق» والصين هي «المُلاحق»، والمواقف النسبية لهذين الاثنين تحدد ساحات القتال المختلفة تبعاً لمزايا كلّ طرف. أيّ طرف سيتمكن من بدء معركة حاسمة في مجال تفوقه الخاص سيحصل على ميزة الخطوة الأولى ويجبر الخصم على إجراءات لها أثمان باهظة.
بالنسبة للطرف السابق فالتكلفة الأكبر هي لابتكار الأفكار والتجربة والخطأ. وبمجرد النجاح يمكن للطرف المُلاحق دائماً أن يحصل على التكنولوجيا ذاتها بتكلفة أقل وبسرعة أعلى من خلال التقليد والتعلم. على مدى السنين الماضية كان الخندق الرئيسي للولايات المتحدة «السابق» كي تفوز في المعركة وتؤخّر الصين «المُلاحق» عن اللحاق بها هو نظام براءات الاختراع. لكن بالنسبة للمُلاحقين فنظام براءات الاختراع هو في العموم أسهل الخنادق التي يمكن اختراقها، لأنّها عادة ما تكون هي الجزء الأكثر ضعفاً لدى السابق والتي لا تمثّل تفوقاً متأصلاً يثق السابق في قدرته على الحفاظ على تطويره، ولهذا يريد دوماً إيقاف أيّ تطوير عليه لا يتمكن هو من إدارته أو احتكاره.
المثال على ذلك هو استخدام شركة TSMC التايوانية لنظام براءات الاختراع الصينية بنجاح لمنع شركة SMIC من اللحاق بها. لو لم يتمّ التقيّد بهذا النظام ولم تقم محكمة بكين العليا بالحكم تبعاً لهذا النظام ضدّ الشركة الصينية في 2009، على الأرجح كانت الشركة الصينية SMIC لتكون قد وصلت بالفعل إلى المستوى التكنولوجي الذي وصلت إليه شركة TSMC التايوانية التي توجهها الولايات المتحدة.
ليس كسر الاحتكار التكنولوجي بالأمر الجديد، فقد حققت صناعة النسيج الأمريكية قفزة هائلة للأمام من خلال كسر الحصار التكنولوجي البريطاني في 1793 عندما قام صامويل سليتر باستعادة تصاميم آلة الغزل الهيدروليكية من ذاكرته، وهي الآلة التي كان محظوراً بشكل مشدد تصديرها خارج المملكة المتحدة، الأمر الذي ساعد صناعة النسيج الأمريكية على اللحاق بالصناعة البريطانية.
إنّ قانون براءات الاختراع الأمريكي لعام 1793 ينصّ بوضوح على أنّه لا يمكن منح براءات الاختراع إلّا للأمريكيين، ويشجّع المبتكرين والفنيين على القدوم إلى الولايات المتحدة ليجلبوا إليها خبرتهم والتكنولوجيا المتطورة. هذه ممارسات ناجحة بشكل فائق تستحق أن يقوم الصينيون اليوم بتقليدها.
على الصينيين إلغاء حماية براءات الاختراع
من الممكن للصين، ويجب عليها، أن تردّ على قانون الرقائق والعلوم الأمريكي بإصدار التشريعات اللازمة لإسقاط حماية أيّة براءة اختراع في الصين بشكل تلقائي لأيّة تكنولوجيا يتمّ منع تصديرها إلى الصين من قبل أيّة دولة ذات سيادة. وعلى السلطات المختصة والأقسام فيها أن تسرع بإصدار القرارات والمراسيم وتعلن عن لائحة التكنولوجيا التي تمّ إيقاف أو إلغاء حمايتها في الصين كاستجابة للحظر الأمريكي.
الأمر الآخر هو تحفيز المؤسسات والشركات غير الصينية على مقاومة قرار الحكومة الأمريكية ورفض تطبيق الحظر على التصدير التكنولوجي إلى الصين، وذلك بالاستمرار بحماية براءات اختراع التكنولوجيا غير المحظورة من جهة، والسماح لهذه المؤسسات باستعادة حماية براءاتها التي تمّ إيقافها أو إلغاؤها بمجرّد استئناف تصدير التكنولوجيا إلى الصين.
كما يجب على الصين أن تعمل ضمن إطار منظمة التجارة العالمية WTO على تعزيز قواعد وقوانين منع الحظر التكنولوجي بأن يتم التعامل مع جميع براءات الاختراع التي تكون غير قابلة للنشر والتعميم من قبل الحكومات ذات السيادة بأنّها فاقدة الحماية بشكل آلي على مستوى العالم. يمكن الوصول إلى قرار بشأن هذه البراءات وجميع أعمال الحظر التي تمارسها حكومات ذات سيادة عبر هيئة من منظمة التجارة العالمية يكون بيدها الحكم على الممارسات غير السوقية. ولا خوف من أن تكون هذه القواعد لخدمة بلد دون آخر، فقد تستخدم ذات القوانين من قبل متتبعي التكنولوجيا الذين يستهدفون التكنولوجيا الصينية الرائدة، وبالعموم ستكون هذه القوانين نافعة بشكل تبادلي لجميع الدول النامية ومن بينها الصين.
المفتاح الآخر في الحصول على التكنولوجيا المتقدمة وتحقيق نقلات نوعية فيها هي الموهوبون والمبتكرون الذين ابتكروا ويطورون هذه التكنولوجيا. إنّ أمثلة صامويل سليتر وشركة SMIC الصينية تظهران بأنّ تدفّق الموهوبين يحدد تدفق التكنولوجيا، وبأنّ التنافس على التكنولوجيا هو تنافس على الموهوبين.
لكن لن يكون من الواقعي محاولة جذب المواهب عبر منحهم رواتب وأجوراً أعلى، فعبر الاستفادة من الإمكانات المحلية والسوق الكبيرة وغيرها يمكن جذب أصحاب المواهب. في بداية 1788 أمر وزير الخزانة بتشكيل شبكة جواسيس تكنولوجيين لجلب التكنولوجيا والمعدات والمواهب للولايات المتحدة باستخدام وسائل متنوعة مثل الترغيب والتهديد والابتزاز.
كما يمكن الاستفادة من تجربة الولايات المتحدة التي لديها قيمة تستخدمها حتى اليوم. قامت الولايات المتحدة بخلق رأي عام نشرت فيه في الخارج روعة الحياة في الولايات المتحدة وتحديداً للفنيين والمهرة. على الصين أن تظهر بأنّها مكان آمن وملائم ومحفز وحر للدوائر الفنية، وبأنّها تمنح الموهوبين بيئة ذات نوعية عالية من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والآمنة. الأمر الآخر هو التصرّف عكس الولايات المتحدة التي يحوي قانونها عقوبات على المؤسسات والأفراد الذين يساهمون في التعزيز التكنولوجي للصين، بتقديم الملجأ والبيئة الآمنة والحياة الكريمة، فموهبة واحدة تأتي إلى الصين تشبه صامويل سليتر تساوي كسر مئات قوانين الحظر والعقوبات. كما يمكن للصين أن تستفيد من الأمريكيين ذوي الأصل الصيني الذين لا تزال عاداتهم وحياتهم وتقاليدهم مرتبطة بالصين، فتعمل على إعادة جذبهم.
إنّ التعامل مع براءات الاختراع بطريقة عملية ونافعة، وصياغة سياسة جذب للمهارات وتطبيقها بشكل متطوّر، ستكون كفيلة بتدفّق المعرفة إلى الصين وكسر سياسات الحظر التي تمارسها الولايات المتحدة. ستكون براءات الاختراع والمواهب هي العوامل الرئيسية في تحديد نتيجة الحرب التكنولوجية الأمريكية على الصين.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1114