كيف يعيد الاقتصاد الرقمي تشكيل بنية الاقتصاد الصيني؟
في السنوات الأخيرة، أصبح الاقتصاد الرقمي نقطة استناد أساسية في النمو الاقتصادي العالمي على نحو يساهم في دفع عملية تغيير المشهد الاقتصادي الدولي الجارية أصلاً بهدوء. وعلى هذه الأرضية، أصبح التطور السريع للاقتصاد الرقمي الصيني وسيلة مهمة لإعادة تشكيل بنية اقتصاد البلاد، وتعزيز النمو الاقتصادي عالي الجودة، وخلق مزايا جديدة في التعاون والمنافسة على الصعيد الدولي.
وفقاً لإحصاءات «قائمة شركات يونيكورن العالمية» الصادرة عن مؤسسة CB Insights لتجميع وتحليل البيانات، فإنه حتى نهاية آذار عام 2022، بلغ إجمالي الشركات التي تقدّر قيمتها بأكثر من مليار دولار أمريكي في أنحاء العالم 1066 شركة، تعمل 20.8% منها في التكنولوجيا المالية، و18.9% في برمجيات وخدمات الإنترنت، و10.4% في التجارة الإلكترونية، و8.7% في الذكاء الاصطناعي. ومن بين الـ1066 شركة، تحتل الشركات الصينية المرتبة الثانية في العالم من حيث العدد، بنسبة 16.3%.
الاقتصاد الرقمي الصيني يشهد ازدهاراً
يمكن تقسيم الاقتصاد الرقمي حسب بنيته الداخلية إلى قسمين: «التصنيع الرقمي» و«الرقمنة الصناعية». وفي «التصنيف الإحصائي للاقتصاد الرقمي وصناعاته الأساسية (2021)» الصادر عن مصلحة الإحصاء الصينية، ينقسم الاقتصاد الرقمي إلى خمس فئات، وهي: تصنيع المنتجات الرقمية، وخدمة المنتجات الرقمية، وتطبيق التكنولوجيا الرقمية، والصناعة التي تحركها العوامل الرقمية، وتحسين الكفاءة الرقمية، وما إلى ذلك.
في الوقت الحاضر، يظهر الاقتصاد الرقمي الصيني تطوراً قوياً، حيث تعمل التقنيات الجديدة، مثل البيانات الكبرى والذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية على تعزيز الابتكار باستمرار، ويتم دمجها بشكل متزايد في مختلف مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
نسبة كبيرة من النواتج المحلية للمدن الكبرى
وفقاً للتقديرات الأولية، تجاوز حجم الاقتصاد الرقمي الصيني 45 تريليون يوان (الدولار الأمريكي = 6.6 يوان) في عام 2021، وهو ما يمثل أكثر من 40% من الناتج المحلي الإجمالي، وسيلعب الاقتصاد الرقمي دوراً بارزاً بشكل متزايد في الاقتصاد الوطني. في السنوات العشر من عام 2011 إلى عام 2021، زاد الحجم الإجمالي للاقتصاد الرقمي الصيني بمقدار 12.4 مرة، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 18%، وأصبح قوة دافعة رئيسية للنمو الاقتصادي المستقر. وحتى نهاية عام 2021، بلغ عدد مستخدمي الإنترنت في الصين 989 مليوناً، ووصل معدل انتشار الإنترنت إلى 70.4%، ووصل عدد مستخدمي التسوق عبر الإنترنت إلى 782 مليوناً، وهو ما يمثل 79.1% من إجمالي مستخدمي الإنترنت. والصين أكبر سوق في العالم للبيع بالتجزئة عبر الإنترنت لمدة تسع سنوات متتالية؛ حيث يبلغ متوسط استخدام الدفع عبر الإنترنت 90% تقريباً؛ ويبلغ عدد مستخدمي التعليم عبر الإنترنت 342 مليوناً وعدد المستخدمين الطبيين عبر الإنترنت 215 مليوناً، وتم بناء أكبر شبكة للجيل الخامس في العالم في الصين، وكذلك افتتاح أكثر من 718,000 محطة قاعدة لشبكات الجيل الخامس.
في عام 2017، ذُكر مصطلح «الاقتصاد الرقمي» رسمياً في تقرير عمل الحكومة، وتم إدخال سلسلة من تدابير دعم السياسات في المجالات المعنية واحدة تلو الأخرى. لقد تطور عدد كبير من مؤسسات الاقتصاد الرقمي الصينية، مثل تنسنت وبايدو وعلي بابا وجينغدونغ وبيندودو، بمساعدة هذه التدابير. وفي عام 2021، أصدر مجلس الدولة الصيني بشكل خاص «الخطة الخمسية الرابع عشرة لتنمية الاقتصاد الرقمي»، التي وضعت ترتيبات شاملة لتعزيز تنمية الاقتصاد الرقمي في مختلف المناطق والإدارات خلال فترة «الخطة الخمسية الرابع عشرة». وتتخذ المقاطعات والمدن أيضاً تدابير نشطة لتطوير الاقتصاد الرقمي بقوة. وفي عام 2021، تجاوز حجم الاقتصاد الرقمي في 13 مقاطعة ومدينة بما في ذلك غواندونغ وجيانغسو وشاندونغ تريليون يوان. بينما يمثل الاقتصاد الرقمي في بكين وشانغهاي أكثر من 50% من الناتج المحلي الإجمالي لهما. وتجاوز معدل نمو الاقتصاد الرقمي في غويتشو وتشونغتشينغ وفوجيان 15%.
دفع إنتاج نماذج صناعية جديدة
تغلغلت التكنولوجيا الرقمية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، مثل الإنتاج والخدمات اللوجستية وتجارة التجزئة والترفيه، وهذا يقود الإنتاج والاستهلاك إلى مرحلة التطوير المبتكرة لذكاء البيانات والتعاون بين الإنسان والآلة. وتتكامل التكنولوجيا الرقمية بشكل كبير مع الصناعات الطبية والتعليم والنقل وتجارة التجزئة وغيرها من الصناعات. وتشهد الفصول الدراسية الجديدة عبر الإنترنت و«الاستشارات الطبية السحابية» و«السياحة السحابية» ومحلات السوبر ماركت دون موظفين وأجهزة KTV للخدمة الذاتية والتجارة الإلكترونية الاجتماعية والتجارة الإلكترونية بالبث المباشر، وغيرها من أشكال التجارة ونماذج الأعمال الجديدة الأخرى نمواً سريعاً.
أدت التجارة الإلكترونية بالبث المباشر إلى ظهور نماذج صناعية جديدة، وأعادت تشكيل سلاسل صناعية متعددة للتجارة الإلكترونية والخدمات اللوجستية. وفيما يتعلق بالإنتاج، تتكامل التكنولوجيا الرقمية مع جوانب متعددة للإنتاج، حيث يتواصل تطور نماذج الأعمال الجديدة، مثل المصانع غير المأهولة والمستودعات الذكية وصناعة الطائرات بدون طيار وشحن البضائع بشكل ذاتي، و«المعارض السحابية» والمكاتب التشاركية عبر الإنترنت.
التكامل العميق للاقتصاد الرقمي والاقتصاد الحقيقي
يوفر مقدمو خدمات الحوسبة السحابية خدمات الحوسبة المرنة والشبكات والتخزين والتطبيقات وغيرها من الخدمات الكبيرة للصناعات الحقيقية التقليدية، ما يقلل من تكلفتها عبر التحول الرقمي. ويوفر تحليل البيانات الكبرى للصناعات التقليدية خدمات مثل الدفع المضبوط وتتبع حالة المستهلك وتحليل اتجاهات الصناعة، ما يقلل بشكل فعال من مخاطر التحول الرقمي لهذا النوع من الإنتاج.
لقد حقق تطبيق البيانات الكبرى إنجازات بارزة في العديد من القطاعات التقليدية، مثل التمويل والرعاية الصحية والشؤون الحكومية والنقل. وتلعب منصة الإنترنت الصناعية دوراً مهماً في التعاون الشبكي والإنتاج الذكي والإدارة الرقمية، وأصبحت طريقة جديدة للتحول الرقمي الصناعي. ووفقاً للأكاديمية الصينية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، تبلغ معدلات تغلغل الاقتصاد الرقمي في الزراعة والصناعة والصناعات الخدمية في الصين 9.8% و21% و40.7% على التوالي.
كما أصبح التكامل بين قطاع الإنترنت وقطاعات خارج الإنترنت مساراً مهماً للتحول الرقمي للصناعات التقليدية. ففي الوقت الحاضر، تشهد الصناعات التقليدية تحولاً شاملاً بمساعدة التكنولوجيا الرقمية، وخاصة خلال فترة الوباء واستئناف العمل والإنتاج، ما يسرع من التكامل العميق القطاعين. على سبيل المثال، خلال فترة الوباء، واجهت صناعة المواد الزراعية مشكلات مثل توقف الإنتاج والنقل ومحدودية فتح المتاجر الشعبية وعدم قدرة خدمات الكيماويات الزراعية على دخول القرى، فاتخذت المؤسسات الزراعية، مع تقدم استئناف العمل والإنتاج، منصاتها على الإنترنت كوسيلة للترويج وتشخيص الآفات والأمراض، ومعاملات المواد الزراعية، وتتبع جودة المنتجات الزراعية، وما إلى ذلك، وقامت بتوجيه المزارعين لشراء المواد الزراعية بطريقة عقلانية وعلمية ومنظمة من خلال الربط بين ما هو متصل بالإنترنت والقاطاعات غير المرتبطة به بعد. وبالإضافة إلى ذلك، في القطاعات التقليدية مثل المعارض وتجارة التجزئة والجملة والتعليم والرعاية الطبية والسياحة والتمويل والرياضة والملابس والمنسوجات والعقارات والمطاعم والسيارات المستعملة والأثاث، يستمر نموذج التكامل بين القطاعين في التوسع.
نماذج مرنة لضمان الإنتاج وتحسينه الدائم
أصبح الإنتاج المرن وسيلة مهمة للتحول الرقمي للصناعات التقليدية، فالمنسوجات والملابس باتت صناعة تجزئة رقمية بدرجة عالية، ويتم بيع 30 قطعة من كل 100 قطعة من الملابس في الصين عبر الإنترنت. في الوقت نفسه، تستخدم شركات الملابس التكنولوجيا الرقمية لحل مشكلة التنسيق للسلسلة الصناعية وسلسلة التوريد، وتقصير دورة الإنتاج، وتغيير أساليب ومعدات الإنتاج، وتسريع الإنتاج المرن. وعززت شركات الملابس إعادة هيكلة الأعمال من خلال الرقمنة، وحققت الإنتاج الذكي والمرن والمتخصص. من بينها شركة يمكنها إنتاج أكثر من 3000 مجموعة من الملابس المخصصة كل يوم، ويمكن تسليم الطلبات في غضون 7 أيام عمل. الآن، هناك المزيد والمزيد من الطلبات المتنوعة والدُفعات الصغيرة، ووقت التسليم أيضاً تحول من شهري إلى أسبوعي. حيث يجبر وضع السوق هذا مؤسسات صناعة الصلب على إنشاء نموذج إنتاج مرن، وتغيير الإنتاج المستمر إلى الإنتاج شبه المستمر، وتغيير درجات الصلب باستمرار في أفران صناعة الصلب، وتحسين تسلسل الجدولة لدرجات الصلب، لتحقيق خطط جدولة إنتاج دقيقة.
الاقتصاد الرقمي يحسن نوعية التنمية الاقتصادية
يحسن الاقتصاد الرقمي من فعالية الحكومة. حيث أصبحت المنصات الرقمية للشؤون الحكومية ناقلاً مهماً لتحسين الكفاءة الحكومية ومستويات الخدمة. وقد أدت إلى معالجة شاملة للخدمات الحكومية الوطنية المتكاملة، كما أدى التكامل العميق لمنصات المقاطعات والبلديات وأنظمة الدوائر الوطنية إلى كسر حواجز المعلومات بين السلطات والإدارات المحلية والمركزية، وتحقيق الترابط والمشاركة الكاملة للبيانات والمعلومات.
وجعلت الإدارة التعاونية في أماكن مختلفة للبيانات إمكانية تحسين كفاءة الإجراءات الحكومية متاحة بشكلٍ أكبر. حيث يمكن للمقيمين في العديد من المناطق استخدام الهواتف المحمولة لشراء منازل في أماكن مختلفة دون مغادرة أماكنهم، وسحب أموال ادخار الإسكان لشراء منازل في أماكن مختلفة، والتسوية المباشرة لنفقات المرضى للعلاج الطبي في أماكن أخرى.. إلخ.
ويوفر الاقتصاد الرقمي المزيد من فرص العمل المتكافئة، ما يؤدي ليس إلى زيادة فرص العمل فحسب بل وزيادة دخل الأفراد. حيث أن 80% من العاملين في تسليم بضائع التجارة الإلكترونية يأتون من المناطق الريفية. وعلى موقع علي بابا، تشكل رائدات الأعمال النساء أكثر من 50% من الإجمالي. وأدت خدمات الشمول المالي مثل الخدمات المصرفية عبر الإنترنت والدفع عبر الهاتف المحمول إلى توسيع قنوات التمويل للشركات الصغيرة والمتناهية الصغر والأفراد وحتى الفقراء. حيث تُظهر البيانات المعنية أنه في عام 2021، وصل الناتج المحلي الإجمالي للصين إلى 114 تريليون يوان، وقد جاءت حوالي 9 تريليونات يوان (7.8% من الناتج المحلي الإجمالي) من الصناعات الأساسية للاقتصاد الرقمي، مثل الجيل الرابع والجيل الخامس والألياف الضوئية وشركات البرمجيات. ومع انتشار الإنترنت عبر الهاتف المحمول والهواتف الذكية، أصبح الدفع بواسطة الهاتف المحمول هو الرابط الأساسي بين الاقتصاد الرقمي ومعيشة الناس. وبحلول نهاية عام 2021، تم فتح 261 مليون محفظة شخصية، وبلغت قيمة المعاملات التراكمية 87 مليار يوان. وبالإضافة إلى ذلك، تعمل الرعاية الصحية الرقمية على تعزيز تقاسم الموارد الطبية العالية الجودة في أماكن مختلفة، وتحل صعوبة الوصول إلى العلاج الطبي في المناطق النائية ذات الظروف الطبية السيئة. ويوفر التعليم عبر الإنترنت المزيد من القنوات التعليمية، وتوفر مواقع الفيديو موارد ثقافية غنية.
فرصة للتعاون الدولي في الاقتصاد الرقمي
استمر التعاون الدولي في الاقتصاد الرقمي المتمثل في التجارة الإلكترونية والدفع عبر الهاتف المحمول في التوسع، كما أن لوجستيات التجارة الإلكترونية عبر الحدود توفر المزيد من المنتجات الصينية للمستهلكين الأجانب، مما يجلب «الرفاه» الحقيقي للعالم.
حقق «طريق الحرير الرقمي» نتائج ملحوظة في هذا السياق. واستمر التعاون بين الصين و22 دولة في «التجارة الإلكترونية على طريق الحرير» في التعمق، وتسارع تنفيذ نتائج التعاون الثنائي. وتم إنشاء قاعة المحاضرات السحابية «طريق الحرير للتجارة الإلكترونية»، بالتعاون مع الدول الشريكة لمكافحة الوباء بشكل مشترك.
ويوفر «قطار التجارة الإلكترونية الخاص» لقطار الشحن السريع الصين- أوروبا المزيد من القنوات للتعاون الاقتصادي الرقمي بين الصين والاتحاد الأوروبي. وفي دراسة استقصائية لخمس وعشرين دولة أوروبية أجراها البريد البلجيكي الدولي، صنف المستهلكون في أربع وعشرين دولة البائعين الصينيين على أنهم البائعون عبر الإنترنت الأكثر شعبية عبر الحدود. وأظهر استطلاع آخر أن ما يقارب 30% من المستهلكين في الدول الأوروبية يفضلون البائعين الصينيين عند التسوق عبر الحدود. وبحلول نهاية عام 2021، تجاوز عدد المستودعات الصينية الخارجية للتجارة الإلكترونية عبر الحدود 2000 مستودع، بمساحة تزيد عن 12 مليون متر مربع، موزعة في دول ومناطق مثل روسيا واليابان وجمهورية كوريا والولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وجنوب شرقي آسيا وشرق المتوسط، لتصبح بنية تحتية جديدة لتعزيز تطوير التجارة الإلكترونية العالمية عبر الحدود.
ووفقاً لمخطط «الخطة الخمسية الرابعة عشرة»، فإنه بحلول عام 2025، ستشكل القيمة المضافة للصناعات الأساسية للاقتصاد الرقمي الصيني 10% من الناتج المحلي الإجمالي. ومع دخول الموجة الجديدة من الثورة التكنولوجية والتحول الصناعي فترة من التقدم المتسارع، سيتم تعزيز دور التكنولوجيا الرقمية في التنمية الصناعية بشكل أكبر، وستستمر أشكال ونماذج جديدة للاقتصاد الرقمي في الظهور، والتي ستصبح الموضوع الرئيسي للتنمية الاقتصادية الجديدة. وستعمل الصين أيضاً على تطوير الاقتصاد الرقمي بشكل مستمر وإيجابي، وتحسين البنية التحتية الرقمية، وتعزيز قدرات الاقتصاد الرقمي، وتعزيز تكامل الاقتصاد الرقمي والاقتصاد الحقيقي، وتعزيز التنمية الاقتصادية عالية الجودة لبناء نمط جديد من التنمية الاقتصادية المبتكرة والديناميكية ذات النفع المشترك.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1082