«المنحة» لن تغطي شيئاً…المطلوب زيادة الأجور الفعلية
صدر يوم الخميس الماضي، 21 نيسان، المرسوم التشريعي رقم (4) لعام 2022، والقاضي بصرف ما أطلق عليها اسم «منحة»، بمبلغٍ مقطوع هو 75 ألف ليرة سورية للعاملين المدنيين والعسكريين وأصحاب المعاشات التقاعدية، على أن تصرف هذه «المنحة» لمرة واحدة فقط.
وكما جرت العادة، ما إن انتشر خبر «المنحة» حتى باتت للتندّر بين السوريين الذين شرعوا بعقد المقارنات لإظهار مدى هزال مبلغ الـ75 ألف ليرة سورية بالمقارنة مع الارتفاع العام في أسعار السلع في البلاد. فما الذي «يغطيه» هذا الرقم فعلياً؟ وما هي المشكلة الكامنة خلف فكرة «المنحة» من أساسها؟
2.6% من وسطي تكاليف المعيشة
وفقاً لبيانات مؤشر قاسيون، فقد بلغ وسطي تكاليف معيشة أسرة سورية مكوّنة من 5 أفراد 2,860,381 ليرة سورية في شهر آذار الماضي. وعلى افتراض ثبات الأسعار في السوق خلال الشهر الفائت، فإن مبلغ «المنحة» لا يغطي سوى 2.6% إضافية من وسطي تكاليف المعيشة، ولا يغطي - بعد إضافته إلى الحد الأدنى للأجور في البلاد (92,970 ليرة سورية)- سوى 5.8% من وسطي تكاليف المعيشة.
وإذا افترضنا وجود فردين عاملين في الأسرة، فإن ما تغطيه «المنحة» بعد إضافتها للحد الأدنى للأجور، سيظل قريباً من عُشر وسطي تكاليف معيشة الأسرة، هذا رغم أن معدّل الإعالة في ظل مثل الظروف الحالية في البلاد هو أعلى من ذلك بالتأكيد.
6.9% من الحد الأدنى لتكاليف الغذاء
على النحو ذاته، ارتفع الحد الأدنى الشهري لتكاليف غذاء الأسرة السورية (عبر حساب السعرات الحرارية التي تكفل البقاء على قيد الحياة وإعادة إنتاج قوة العمل من جديد) خلال شهر آذار إلى 1,072,643 ليرة سورية، وأيضاً إذا افترضنا أن أسعار الغذاء لم تشهد أي ارتفاع خلال الشهر الفائت، فإن «المنحة» لا تغطي سوى 6.9% من الحد الأدنى لتكاليف غذاء الأسرة شهرياً، وبعد إضافتها للأجر، لا ترتفع النسبة سوى إلى حدود 15.6%.
وإذا اعتبرنا أن العامل السوري لا يعيل أحداً ويعمل ليطعم نفسه فقط، فإن مبلغ «المنحة» لا يغطي سوى 34.9% من الحد الأدنى لتكاليف غذائه هو فقط (214,520 ليرة سورية)!
تأجيج لنيران السوق
كل ما ذكرناه سابقاً هدفه المقارنة فقط، ولا يعبّر عن واقع الحال تماماً، ففي الحقيقة لا تغطي «المنحة» شيئاً، وسرعان ما ستتلاشى في معمعة الارتفاعات التي يشهدها السوق يومياً، بل أكثر من ذلك، ستشكّل المنحة عاملاً إضافياً من عوامل تخفيض قيمة الأجر الفعلي للعامل السوري، حيث ستكون الكتلة النقدية من الليرات السورية التي سيتم ضخها على شكل «منحة» سبباً دافعاً لتراجع قيمة الليرة أمام الدولار، وبالتالي ستكون بمثابة دفعٍ جديد لجماح الأسعار في السوق، مع ما يعنيه ذلك من تراجع في القدرة الشرائية الفعلية للأجر السوري.
المطلوب زيادة الأجور الفعلية... لا «منحة»
لا يختلف اثنان على أن كل ليرة سورية إضافية تدخل إلى جيوب العمال المنتجين السوريين هي شيء إيجابي، لكن ذلك مشروط بأن تحافظ هذه الليرة على قيمتها لا أن تكون سبباً إضافياً في تقليص القيمة الفعلية لليرات القليلة «الموجودة» في هذه الجيوب. وهذا بالضبط هو السبب في اعتبار ما تسمى بـ»المنحة» سبباً من أسباب مفاقمة أوضاع السوريين سوءاً، فهي ليست منحة للناس، بل عملياً منحة للسوق، ولا سيما لمحتكري الغذاء. ولهذا السبب أيضاً، فإن المطلوب في الظروف السورية اليوم هو رفع الأجور الفعلية وليس «المنحة».
ولا يمكن الحديث عن رفع الأجور الحقيقية للسوريين بشكلٍ جدي، دون أخذ ثلاثة عوامل أساسية بعين الاعتبار:
أولاً: كي تكون الأجور فعلية فإن أول شرط ينبغي أخذه بالاعتبار هو أن الرقم المطلق فيها ليس هو المهم، فقد يكون الأجر مئة ليرة وقد يكون عشرة ملايين، لكن الأساسي هو ما يشتريه هذا الأجر في السوق فعلياً. لهذا، يجب ربط الحد الأدنى للأجور بتكاليف المعيشة، أي أن يكون قادراً على تغطيتها.
ثانياً: على افتراض أن الحد الأدنى للأجر السوري قد تم ربطه بتكاليف المعيشة، فإن هذا ليس كافياً بحد ذاته، حيث أن أي ارتفاع في هذه التكاليف في السوق ستؤدي إلى تلاشي تدريجي للأجر الفعلي. لهذا، فإن الشرط الثاني هو أن يكون الربط مستمراً، أي أن يرتبط الحد الأدنى للأجور بالأسعار دورياً (شهرياً، أو فصلياً، أو سنوياً.. إلخ)، وهذا الشيء، كما ذكرنا سابقاً، يجب أن يكون حقاً للعمال وليس «منحة» أو «مكرمة» من أحد...
ثالثاً: بشكلٍ بديهي، لا يجب أن يكون مصدر زيادة الأجور هو جيوب الناس، مثل «الوفورات» التي يتم التباهي بها جراء عمليات رفع الدعم تحت شعارات «عقلنته» و»توجيهه إلى مستحقيه»، بل إن أي رفع حقيقي للأجور، مرهون بأن يكون مصدره جيوب الفاسدين الكبار، أصحاب الربح الكبير الذين يحوزون الثروة السورية فعلياً بينما لا يحصل 90% من الشعب السوري سوى على 10% منها على أحسن تقدير.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1067