هل تبتلع الولايات المتحدة أشباه الموصلات اليابانية؟
أوديت الحسين أوديت الحسين

هل تبتلع الولايات المتحدة أشباه الموصلات اليابانية؟

يوم الجمعة 27 آب 2021 عقدت شركة كيوكسيا القابضة «Kioxia Holdings» العاملة في مجال أشباه الموصلات، اجتماعاً مع عدد من المدراء التنفيذيين الأمريكيين. كان الهدف الأساسي من الاجتماع هو إطلاق عمليّة طرح عام أولي للاكتتاب على أسهم الشركة، والموافقة على تقديم طلب لسوق طوكيو للأوراق المالية. لكن تمّ تعديل جدول الأعمال دون ذكر السبب.

محاولة الإمساك بقاطرة السوق الأخيرة

كانت سوق طوكيو للأوراق المالية قد منحت موافقتها بشكل سابق في عام 2020، لكن تمّ تغيير الخطة بسبب التوتر التجاري بين الصين والولايات المتحدة، وهو الأمر الذي أثّر بشكل سلبي. لكن منذ ذلك الوقت باتت هناك خيارات جديدة، ومن بينها دمج كيوكسيا مع شركات رقمية غربية.
يناسب إنشاء روابط بين الولايات المتحدة واليابان، في مجال أشباه الموصلات، موقف الحكومتين الراغب بمواجهة صعود الصين، لكنّ المشكلة أنّ كلاً من الولايات المتحدة واليابان تقعان في هذه الصفقة في خطر تسليم السيطرة أكثر ممّا ينبغي للطرف الآخر.
إنّ صناعة أشباه الموصلات هي حجر الزاوية في الصناعات الرقمية الحالية والمستقبلية، وجميع البلدان التي تملك قدرات صناعية كبيرة ترغب في الحصول على حصّة من سوق أشباه الموصلات بشكل مباشر أو غير مباشر، وبالتالي ستكون الصفقات التي تعزز أيّ تعاون في هذا المجال مقياساً ذي دلالات للمناهج السياسية التي ستنتهجها الدول.
خلال اللقاء الذي جمع رئيس الوزراء الياباني سوغا والرئيس الأمريكي بايدن في 16 نيسان 2021 في واشنطن، تمّ التركيز على مناقشات الطرفين فيما يخص مضيق تايوان، لكنّ الإعلام فوّت بذلك جانباً هاماً آخر من النقاشات: أشباه الموصلات. صرّح بايدن في اللقاء المشترك: «سنتعاون في مجالات متعددة... بدءاً من شبكات الجيل الخامس الآمنة والمتقدمة، مروراً بتنسيق سلاسل توريدنا في قطاعات حساسة، مثل: أشباه الموصلات، وصولاً إلى البحث في مجالات، مثل: الذكاء الاصطناعي، والجينومات، والكمبيوترات الكمومية ...الخ».
السبب الذي يدفع الولايات المتحدة للسعي للتعاون مع اليابان هو، ببساطة، التمكّن من منافسة الصين التي تستولي على سوق التكنولوجيا الفائقة العالمي. فالحقيقة أنّ العديد من شركات الرقاقات الأمريكية مجرّد خيالات وأشباح، وحصّة الولايات المتحدة من سوق التصنيع العالمي قد انخفضت إلى 12% في 2020، بعد أن كانت حصتها 37% في 1990. يعني هذا أنّ الولايات المتحدة، ما لم تقم بشيء، ستضطرّ للاعتماد على الصين في توريدات حيوية.
تمّت الموافقة في الكونغرس الأمريكي في حزيران على تخصيص 52 مليار دولار لدعم صناعة أشباه الموصلات، و29 مليار دولار لتمويل إدارة للأبحاث الوطنية ذات صلة. الهدف هو الاستثمار في إنتاج أشباه الموصلات المتطورة في الولايات المتحدة، مع زيادة شراء رقائق «الذواكر» من الحلفاء، أمثال: اليابان وكوريا الجنوبية.
ضمن هذا السياق، يأتي الحديث بين الدوائر العليا في الولايات المتحدة واليابان حول الاندماج بين الشركة الأمريكية ويسترن ديجيتال «Western Digital» والشركة اليابانية كيوكسيا.
ويسترن ديجيتال شركة مرموقة فيما يخصّ محركات الأقراص الصلبة وتخزين البيانات، وقد دخلت مضمار الذواكر بعد الاستحواذ على شركة «SanDisk» في 2016. إن تمّ تدبر أمر اندماجها مع كيوكسيا، فسنكون أمام شراكة يمكن مقارنتها بالعملاق سامسونغ الكترونيكس.

اليابانيون يدركون أهميّة عدم امتصاصهم

لكن هناك بعض الأشياء التي شغلت بال كيوكسيا وأوقفت التقدم في الاندماج، فقد وجدت مشكلة في أن يتمّ ابتلاعها من قبل ويسترن ديجيتال، وهي تريد أن تبقى شريكاً. في هذه الأثناء، كان من مصلحة حاملي الأسهم الأكبر في كيوكسيا: «توشيبا» و«بين كابيتال»، أن تبقى الشركة مسجلة في سوق طوكيو للأسهم المالية كونه الطريق الأسهل لتسييلها.
تمّ بعد مناقشات كثيرة بين الشركتين، تمّ تقديم تنازلات من ويسترن ديجيتال، مثل: شراكة متساوية ومقاعد مجلس إدارة متساوية في الشركة التالية للاندماج.
لكن حتّى مع هذا، لا تزال هناك مشكلة ليست بالهينة: أين سيكون مقرّ إدارة الشركة؟ من الطبيعي أن تسعى ويسترن ديجيتال لأن يكون المقر في الولايات المتحدة لأهداف ضريبية وتسهيلات ائتمانية وعدم المخاطرة في المستقبل بمواجهة قوانين تحدّ من قدرات الوصول إلى السوق الأمريكية.
لكنّ الرغبة في إعادة إحياء صناعة أشباه الموصلات ليست مقتصرة على الولايات المتحدة، بل تشاركها اليابان بذلك أيضاً. انخفضت حصّة الصناعة اليابانية من السوق العالمية في 2019 إلى 10%. وهي بالفعل تعتمد على الاستيراد لتلبية احتياجات 64% في سوقها المحلية. تقتضي سياسة الحكومة اليابانية الاقتصادية جذب مصانع الرقاقات الإلكترونية للعمل في اليابان.
يرى الكثير من المسؤولين المعنيين بالاقتصاد داخل الحكومة اليابانية بأنّ وظائف البحث والتصنيع عالي القيمة يجب أن تبقى داخل اليابان. حتّى أنّ تكتلاً سياسياً داخل الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم قد تشكّل في أيّار بهدف التركيز على استراتيجية الرقاقات. يقول أحد أعضاء التكتّل معبراً بشكل واضح عن عدم الموافقة على نقل مقرّ الشركة إلى الولايات المتحدة: «إن بقيت الشركة المندمجة كياناً يابانياً له استثمارات متساوية، سنرحّب بالأمر».
في الوقت الحالي تعتمد اليابان والولايات المتحدة على إنتاج تايوان من أشباه الموصلات. لدى تايوان أكثر من 90% من صناعة أشباه الموصلات عالية التقنية، و20% من كامل إنتاج أشباه الموصلات. كما أنّ لدى الصين برنامجاً ضخماً لدعم صناعة أشباه الموصلات الصينية وزيادة إنتاجها المحلي بنسبة 70%. فهل يتمكن الأمريكيون من كسب اليابانيين بهدف البقاء على الساحة، أم أنّ خارطة اقتصادية- سياسية جديدة ستنتج؟ يمكن لما سيؤول إليه أمر الاندماج أن يشي لنا بإجابة جزئية عن هذا الأمر.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1037
آخر تعديل على الإثنين, 27 أيلول/سبتمبر 2021 17:39