سورية...  طريق بضائع الترف الأمريكية عبر الخليج «سالك»!

سورية... طريق بضائع الترف الأمريكية عبر الخليج «سالك»!

ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بصورة طابور من نوع آخر... طابور الحصول على أحدث جهاز خليوي من شركة آبل الأمريكية iPhone 12 & iPhone 12 Pro، بعد عشرة أيام عن إعلان شركة آبل عن إطلاقه! إن هذا الحدث لفت الأنظار إلى سوق استيراد الكماليات التي تستطيع أن تتجاوز العقوبات، وتمتلك أن تُنفق مئات ملايين الدولارات، حتى لو كانت الشركة المستوردة معاقبة!

 جرت خلال عام 2019 واحدة من عمليات إعادة هيكلة القطاعات ورؤوس الأموال في سورية، وتصدرت إحدى الشركات المؤسّسة في نهاية عام 2018 عملية استيراد الأجهزة الخليوية للسوق المحلية، هذا القطاع الذي لم تعرف العقوبات طريقاً جدياً لتقليل مستورداته، على عكس الغذائيات والأدوية التي يفترض أنها غير مشمولة بالعقوبات!

 +88% تتصدر الموبايلات قائمة المستوردات السورية في 2019 والإمارات وجهتها الأساسية حيث ازدادت كتلة المستوردات بين 2015-2019 بنسبة 88%

الموبايلات مقابل الأساسيات

تشير بيانات مركز التجارة الدولي ITC أن مستوردات سورية من الأجهزة والمعدات الإلكترونية، هي الكتلة الأكبر من المستوردات السورية المصنفة وفق نوع البضائع التفصيلي والبالغة: 259 مليون دولار في 2019، 241 مليون دولار منها من دولة الإمارات، وهي بمجموعها أجهزة هاتف للشبكات الخليوية، أو الشبكات اللاسلكية الأخرى. وقد تزايدت بين عامي 2015-2019 بنسبة 88% لترتفع فاتورة استيراد الموبايلات من الإمارات من حدود 128 مليون دولار في 2015 إلى 241 مليون دولار في 2019، بحمولات تقارب 645 طن، وكلفة وسطية لحمولة الطن: 374 ألف دولار للطن.

بالمقارنة، ولمعرفة حجم هذه التجارة، يمكن مقارنتها مع كلف استيراد الأساسيات، فمبلغ 241 مليون دولار سنوياً يستطيع أن يؤمن استيراد أكثر من 13 ألف برميل نفط خام يومياً بسعر 50 دولار للبرميل، أي: ما يعادل 10% تقريباً من كل حاجات الطاقة لتغطية كامل النقص... 

وهي تقارب مجموع مستورداتنا من الحبوب والسكر معاً في 2019: 138 مليون دولار موزّعة على الأرز والقمح والطحين والذرة، و120 مليون دولار للسكر تقريباً. وهي أكثر من ضعف ما استوردناه في 2019 من المواد الدوائية والصيدلانية الأساسية، والتي بلغت قرابة 104 ملايين دولار تقريباً.

241 مليون $ بلغت كتلة استيراد الموبايلات من الإمارات في 2019: 241 مليون دولار وهي تعادل مستوردات الحبوب والسكر مجتمعة، وضعف مستوردات الأدوية.

أعلى من الأسعار العالمية بنسبة 90%

بشكل عام، أسعار الأجهزة الخليوية في السوق السورية أعلى من الأسعار العالمية بنسب هامة، وتحديداً في أجهزة شركتي آبل وسامسونغ، بينما نسبة الفارق أقل في الأجهزة الصينية، مثل: هواوي، وشياومي.

ففي هاتف آبل الأخير، النسبة الوسطية للفارق تقارب 90% زيادة، بينما النسبة في واحد من إصدارات شركة سامسونغ الكورية تصل النسبة إلى 124% زيادة عن الأسعار العالمية، حيث يبلغ سعر موبايل (Galaxy z flip 8g): 890 دولاراً عالمياً بينما يصل سعره في سورية إلى 2000 دولار! 

وهذا يختلف طبعاً حسب الأنواع، فمثلاً: في واحد من إصدارات هواوي لعام 2020 (P40 pro+) السعر العالمي يقارب 1300 دولار، بينما في سورية السعر يتجاوز 1600 بارتفاع عن السعر العالمي بنسبة: 23%، بينما في إصدار حديث آخر لهواوي mate 30 pro: فإن الفارق يصل إلى 58%. وترتفع الفوارق في الإصدارات الأقدم ذات السعر المتوسط، والطلب الواسع، فمثلاً: هاتف هواوي y9 2019، يقارب سعره في سورية: 330 دولاراً، وهو أعلى من سعره في الكويت مثلاً بنسبة 45% حيث بلغ سعره للمستهلك الخليجي: 220 دولاراً في شهر 10-2020.

وهكذا، فإن النسب تتباين حسب نوع الموبايل ومستوى رواجه وتاريخ إصداره وشدة الطلب عليه، ولكن لا توجد نسب أقل من ربع السعر العالمي، وتصل إلى ما يزيد عن 100% وجميعها مسعّرة بأسعار دولار السوق، ومن كتلة 241 مليون دولار قد تكون كتلة الربح 55 مليون دولار سنوياً، وقد تصل إلى 120 مليون دولار سنوياً للمستوردين...

لم تعد الموبايلات حاجة ترفية، بل هي ضرورة اقتصادية وتنموية، ومن الطبيعي أن يستمر استيرادها، ولكن طابور موبايلات I phone يلخّص الكثير... فالأموال موجودة في سورية، ويمكن تحريكها لتزوّد نخب البلاد بآخر صيحات البضائع من دولة الإمارات، أو من أية دولة أخرى ملتزمة بالعقوبات الدولية، طالما أن هذه الأموال تستطيع أن تحقق ربحاً عالياً بنسبة تصل 90%... ولكن هذه الأموال محتجبة ومحمية ومتجاهلة عندما تشتد الحاجة إلى استيراد القمح والنفط، التي لا يقبل المستوردون أن يستوردوها إلّا بعد أن ترفع الحكومة الأسعار، وتضمن لهم ربحاً مناسباً. بينما القائمون على المال العام ليسوا أكثر من مدراء راضخين لسلطة نخب المال، التي حتى إن عاقبهم الأمريكيون فإنهم يجدون طريقهم لأحدث السلع الأمريكية وعبر أبرز الأسواق الإقليمية في الخليج، طريق استيراد بضائع الترف والربح سالك مع أمريكا والخليج رغم العقوبات، ولكن طريق الأساسيات مغلق في وجه عموم السوريين. وهي النتيجة الطبيعية لمنظومة العقوبات الدولية التي تستهدف تجويع الجموع، بينما تسمح بشكل مباشر أو غير مباشر بإثراء النخب.

 

 

 

معرض الصور

معلومات إضافية

العدد رقم:
989
آخر تعديل على الجمعة, 30 تشرين1/أكتوير 2020 16:51